* بدا الوزير الروماني الشاب الذي أدار الجلسة واثقاً من نفسه، هادئاً، محدد العبارات، حاضر الذهن، طرح في البداية مشروع القرار على الأعضاء للتصويت، ولم يستغرق سوى لحظات حين أعلن الموافقة بالإجماع من قبل الدول الخمس عشرة الأعضاء بالمجلس، ثم انتقل مباشرة ليمنح وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي الكلمة كأول متحدث، بينما بدا في جانب من المشهد كل من وزير الخارجية السوري المحنك فاروق الشرع وخلفه المستشار القانوني لوزارة الخارجية رياض الداوودي، وهما رابطا الجأش، حتى جاء الدور على الشرع ليتحدث بالعربية قائلاً إنه تلقى نصيحة من أصدقاء بعدم الخوض في نقد تقرير لجنة ميليس، ومع ذلك فقد خاض الشرع في التقرير، وراح ينقل اقتباسات موسعة منه، ويفندها، قائلاً إنه انطلق من افتراض إدانة سوريا بالضلوع في الجريمة قبل أن يسرد ويستعرض الأدلة والقرائن، فضلاً عن استخدام عبارات من نوع (سيناريو، يتصور، يفترض)، من شأنها أن تطعن في جدية التقرير، وراح يتلو كعادة الساسة العرب التقليديين تفاصيل موسعة واستطرادات مطولة، من شأنها أن تبعث على الملل، ولا تتسق مع الإيقاع اللاهث السريع الذي اتسمت به الجلسة وكلمات وزراء الخارجية الآخرين. * بدا الشرع كمحام يفند جوانب موضوعية في جلسة إجراءات، وراح يقتبس من تقرير لجنة ميليس، ويفندها، ويرد عليها، واعتبر أن أخطر ما وجه إلى دمشق هو أنها تتعاون شكلاً دون المضمون، وأعرب عن أسفه أن القرار الذي تبناه بالإجماع مجلس الأمن اعتمد هذا الاتهام وأقره، ثم انتقل الشرع إلى الدفاع عن نفسه شخصياً حين أشار إلى الفقرة في تقرير ميليس التي تحدثت عن محاولات بعض المسؤولين السوريين تضليل التحقيق، وهي إشارة إلى الشرع شخصياً، وهنا بدا الوزير السوري حاداً، وتغيرت نبرته في الحديث، وكأي ديماغوغي يمكن أن يسمعه المرء في مداخلة فضائية راح يتحدث الشرع عما لا يمكن أن يقال في العلن، طالباً الحديث في هذا الشأن في جلسة مغلقة، واختتم كلمته - التي يفترض أن لها وقتاً محدداً - بالإعراب عن دهشته لقرار المجلس، على الرغم من أنه لم يتضمن أية إشارة بتوقيع عقوبات على بلاده، وراح يقارن بين حالات كانت فيها إسرائيل طرفاً في قرارات بحثها المجلس، وما شهده المجلس الليلة في شأن المسألة السورية. * وبينما ألقى وزير الخارجية الجزائري كلمته بالفرنسية الرشيقة، فقد تحدث وزير الخارجية اللبناني قائلاً إن كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية في لبنان، ويدعم استقرار الأوضاع فيها، وبدا الرجل مقتضباً، ولم يشأ الخوض في مزيد من التفاصيل، ملتزماً بما يمكن وصفه بالحد الأدنى من التناول والتعليق على القضية الشائكة، وخيراً فعل. اللافت أيضاً أن وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس كانت كدأبها محددة صارمة، حين حذرت دمشق من أن عدم تعاونها التام واستجابتها مع المطالب التي تضمنها القرار من شأنه أن يؤدي إلى عواقب خطيرة من قبل المجتمع الدولي، بينما شهدت نهاية الجلسة سجالاً بين الشرع وجاك سترو وزير خارجية بريطانيا حول مقارنة ما جرى بأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة وتفجيرات لندن وإسبانيا، وهو ما عقب عليه سترو في مداخلة إضافية رفض فيها هذه المقارنة، ورفض وصف التحقيق بأنه يشبه تحقيقات القرون الوسطى، وساق في سبيل ذلك عدة حجج وأسانيد، وضرب عدة أمثلة لعدم التعاون من قبل وزارة الخارجية السورية ولجنة ميليس.
|