Tuesday 1st November,200512087العددالثلاثاء 29 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

عمرو موسى .. في ليالي العراق الجديدعمرو موسى .. في ليالي العراق الجديد
عبدالله بشارة

في اليوم الثاني من أكتوبر الجاري، اجتمعت اللجنة العربية حول العراق في مدينة جدة بدعوة من المملكة العربية السعودية، ومن أهم الأسباب التي حرّكت اللجنة للاجتماع، ما جاء في خطاب الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية - في خطابه الافتتاحي، حيث يقول: (إنّ اهتمام المملكة العربية السعودية يتركّز في الدرجة الأولى على المصالحة الوطنية ووحدة الشعب العراقي وتكريس هويّته العربية التي كانت دائماً اللحام الذي حفظ وحدة العراق، ونحن نتفّهم خصوصية الوضع الكردي والمعترف به منذ زمن بعيد في العراق، ولكن هذه الخصوصية الفريدة لا يمكن تعميقها عن بقية مناطق العراق حرصاً على وحدته) .. ويضيف الأمير سعود الفيصل: (إنّ أكثر ما يقلقنا هو ما نلاحظه من تنامي قوة الدّفع نحو تكريس الطائفية على الساحة العراقية، والتي تتعارض مع الحفاظ على وحدة العراق وتؤدِّي إلى جرِّه للمزيد من التشرذم والمزيد من المعاناة) ..
جاء هذا الخطاب بعد مشاركة الأمير السعودي في ندوة تكساس التي عبّر فيها عن قلق المملكة من اتساع النفوذ الإيراني وارتفاع حدَّة النبرة الطائفية.
وألحق الأمير سعود خطابه شكل جدول أعمال مؤتمر جدة بالدعوة إلى الإسراع في عقد اجتماع يضم كافة الفرقاء العراقيين تحت مظلّة الجامعة العربية، وذلك وصولاً إلى تحقيق إجماع وطني وعريض بشأن الدستور، وضمان مشاركة جميع الفئات العراقية في العملية السياسية. على أن يسبق ذلك قيام الأمين العام (عمرو موسى) بزيارة العراق للتشاور مع الإخوة فيه بهذا الخصوص ..
وجاءت حصيلة اجتماع جدة بإيفاد الأمين العام إلى بغداد في ظروف صعبة للغاية بسبب أوضاع العراق الداخلية والخلافات بين الفرقاء وتصاعد الإرهاب، وبسبب مواقف الجامعة العربية الحذرة ومواقف دول عربية أخرى تبنّت السلبية والابتعاد وآثرت السلامة.
ومن إفرازات هذه المواقف تصاعد التساؤل من قِبل معظم فئات المجتمع العراقي حول منظور الجامعة العربية من أحداث العراق ..
يقول نائب رئيس الحكومة العراقية أحمد الشلبي: (الجامعة العربية كان لها موقف غير إيجابي في فترة حكم صدام حسين من القوى السياسية التي كان تدعو إلى احترام حقوق الإنسان ورفع الضَّيم عن الشعب العراقي، ولم تكن لها مواقف ضد ما قام به صدام باستخدامه الأسلحة الكيماوية في كردستان ومناطق أخرى في العراق .. ولم يكن للجامعة دور إيجابي في عملية التغيير وتشكيل مجلس الحكم، الجامعة استقبلت أشخاصاً قالت عنهم إنّهم معارضون للنظام في العراق وأنّهم يدعون إلى إنهاء الاحتلال، بينما القيادات السياسية العراقية الحقيقية عندما كانت في السابق تطلب من الجامعة الاجتماع معها ودعم قضايا الشعب العراقي، لم يكن للجامعة مثل هذا الموقف ..).
هذه كلمات تختصر مشاعر أغلبية الشعب العراقي تجاه الجامعة العربية، وبهذه الأجواء المعقّدة ذهب عمرو موسى إلى بغداد، يحمل معه المخاوف التي كانت تلازمه منذ عملية التغيير، وأوجزها في ثلاث:
أولاً: التهيُّب والتخوُّف الجماعي العربي - بما فيها الدول الأعضاء والجامعة - من المجهول الذي قد يفرزه الخلاف بين مكوِّنات الشعب العراقي، وما قد تأتي به الحملة الأمريكية من نظام مجهول يؤثِّر في البيئة السياسية العربية إيجاباً أو سلباً وتفضيل الانتظار والمراقبة دون الاقتراب من نيران الوضع التي قد تصيب من يقترب منها.
وقد اعتادت الدول العربية في التعايش مع الحالة الراهنة، أي الوضع (الجامد الاستاتيكي) ..
شعرنا بهذا الحذر نحن في الخليج حتى من قبل أعضاء في مجلس التعاون كانت تتمنى التبديل في العراق ..
ولم تتحرّك اللجنة العربية في اجتماعها في جدة إلاّ بعد أن بدأت صورة الوضع العراقي الذي خلفه التبديل تتّضح بانقلاب دراماتيكي معبّر عن صوت الأغلبية الائتلافية الشيعية - الكردية، وقد اعتادت الدول العربية والجامعة على التعامل مع العراق السابق المختلف الذي تحتكر فيه القوى السنِّية كلّ مآثر القوة والنفوذ، وغابت عنه الحرية والديمقراطية وسيادة القانون وحقوق المواطن ..
وثانياً: في الصراع الدموي الإرهابي اليومي من قِبل مجموعات راديكالية إسلامية وبقايا القوى البعثية المدمّرة التي تعمل لتخريب عراق المستقبل، لا يجد الأمين العام للجامعة العربية جهة يستطيع التفاوض معها لإنهاء الإرهاب والدمار، ولا يجد في الذين يفاوضهم من القوى الأكراد والشيعة من يملك النفوذ على هذه القوى المدمِّرة، واكتشف خلال اتصالاته مع القوى السنِّية بأنّها أيضاً ليست صاحبة القرار في إنهاء العمليات الإرهابية المدمِّرة.
ومع ذلك فإنّ زيارة الأمين العام ضرورية ومهمّة في ترطيب الأجواء المتوتِّرة، بين أطياف المجتمع العراقي.
يقول رئيس الوزراء الجعفري: (لقد أعطينا الزيارة اهتماماً خاصاً رغم بعض الملاحظات والتحفُّظات، ونعتبر زيارته مكسباً لأنّه خرج بانطباعات جيدة عن الوضع في العراق، كما أنّنا نأمل أن تنجج مبادرة الجامعة العربية، وسنساهم بها بكلِّ قوة من أجل أن يتبلور اللقاء الوطني) ..
بينما يقول رئيس الجمهورية السيد الطالباني بعد اجتماعه بالأمين العام في السليمانية: (بأنّه يؤيِّد مبادرة الجامعة العربية لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية .. مشيراً إلى أنّ الجامعة العربية أفضل من يلعب دوراً في العراق .. مضيفا بأنّ أي حكومة عراقية قادمة ستكون ملتزمة بميثاق الجامعة كون العراق مؤسساً لهذه الجامعة) ..
ونستلخص بأنّ زيارة الأمين العام حصلت على دعم المحورين الأساسين في الحياة السياسية العراقية، وهما المحور السياسي الشيعي والمحور السياسي الكردي، فضلاً عن دعم المرجعية الدينية السياسية الشيعية بعد لقاء الأمين العام مع آية الله السيستاني.
وجاء لقاؤه مع المجموعة السنِّية (تجمع علماء المسلمين) قريباً من النجاح، حيث وقف على المرئيات الصعبة التي يراها الفريق السنِّي المعارض، في مطالبه بتحديد موعد للانسحاب الأجنبي، ومعارضة الاجتثاث البعثي، ومعارضة الفيدرالية والاعتراض على الدستور.
ثالثاً: نجحت الزيارة في وقوف الأمين العام للجامعة العربية ووفدها على حقائق ودوافع العراق ومكوّناته الإثنية والمذهبية وعلى إفرازات احتكار السلطة من قِبل الأقلية السنِّية وتعايشها مع حزب البعث الشوفيني السلطوي الذي اغتال العراق وقضى على شخصيته.
قرأت الخطاب الذي ألقاه السيد عمرو موسى في البرلمان الكردستاني الذي يظهر مدى التبدُّل الذي سبّبته الزيارة لدى فكر الأمين العام، الذي يقول (نعم أن هناك عهداً قد انتهى وأن عصراً جديداً يتهيأ له العراق إلاّ أنّه يجب أن يجتاز العوائق، أوّلها أن يتصالح مع نفسه، وأنّ جلوسي على هذه المنصة يمثل لحظة تاريخية فارقة، فقد سررت كثيراً لدى سماعي لحظة وصولي السلام والنشيد الوطني الكردي والعراقي، وأنّ هذه إشارة مهمة إلى الشكل الجديد للعراق، وأعتبر أنّ إقليم كردستان جزءٌ مهم من الوطن العربي .. مشيراً إلى وجود صلة تربط بين الشعبين الكردي والعربي من خلال ثقافتين متداخلتين في العراق) ..
لم يكن عمرو موسى ولا الجامعة ولا حتى الدول الأعضاء تظهر اهتماماً إيجابياً في الحالة العراقية، وكانت جميع الخطوات والتصريحات تنجذب نحو السلبية في إدانة الاحتلال، ورفع قدر المسؤولين عن التدمير والعنف تحت غطاء المقاومة، كما اتسمت المواقف العربية بشغف نوستلجي نحو العراق العروبي السنِّي .. نحن الآن في فصل العراق الجديد، ولا نريد سرد شريط الماضي المؤلم.
رابعاً: نتمنى على السيد عمرو موسى الذي ندعم جهوده نحو الوفاق العربي ومؤتمره القادم، أن يحقق بعض الخطوات في تقريب الدول العربية نحو العراق الجديد، وفي إعطاء هذا العراق الجديد الموقف الإيجابي الذي يستحقه، بدلاً من إدارة الظهر وممارسة اللامبالاة.
ونعتقد بأنّ مسؤولية الأمين العام الآن هي نقل ما سمعه وما شهده وما توصّل إليه وأكثر من ذلك قناعاته الجديدة، إلى الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وإقناع هذه الدول في الامتثال لواقع العراق المتجدِّد والديمقراطي والمنفتح، ودعم هذا العضو الجديد الذي سيأتي بتجربة مختلفة عن تجارب الدول، وسيجلب معه المشروع الانفتاحي ومشروع التجديد والمساءلة والمساواة وجميعها تشكِّل العناصر التي تتوق إليها المنطقة. نتمنى أن يعيد الأمين العام إلى مسامع الدول الأعضاء ما قاله عن العراق بأنّ الصيغة التي وردت في الدستور (توافقية) وهي لا تنفي أبداً الصفة العربية العامة للعراق.
فالعراق بلد متعدِّد القوميّات والأديان والمذاهب وهو جزءٌ من العالم الإسلامي وعضو مؤسِّس وفعَّال في جامعة الدول العربية، وملتزم بميثاقها ..
تحياتنا إلى العراق الجديد، وتهانينا للسيد عمرو موسى الذي فتح صفحات من كتاب العراق الجديد، كان يتردَّد في التعرُّف إليه ..

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved