أتابع ما تنشره الجزيرة من مواضيع وصفحات جميلة عن رمضان الكريم وما يدور فيه من قصص وأحداث، وأقول ان رمضان هو شهر التصافي والصفاء، هو شهر المحبة والتحاب، والمودة والتواد وهو شهر التآخي والإخاء، شهر تصفو فيه نفس المسلم، فتتعالى عن الدنايا وتترفع عن البغضاء والتحاسد، والخلاف والقطيعة، والتدابر والهجر. يأنس المسلم بشهر رمضان، وساعاته وأيامه، يجد فيها الأنس والاطمئنان، وراحة النفس، فأنفاسه كلها ذكر، وتسبيح لله - عز وجل -، وما أحوج الصائم إلى أن يجعل هذا الشهر كله شهر محبة، وصفاء للقلوب، وتسامح متبادل مع كل من يكون بينه وبينهم خلاف وتباغض. ما أحوج الصائم إلى أن يجعل من رمضان شهر نقاء وتطهير للقلب من أدرانه، ومن نزعات الشر في داخله. لن أنسى ما حييت ذلك الرجل الصالح - أحسبه كذلك والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً - كان جارا لنا في منزلنا القديم، وكان رجلا كبيرا في السن، حافظا لكتاب الله - عز وجل -، وكان ممن لا يحمل في قلبه على أحد من المسلمين - حسبما يظهر لنا - كان هذا الرجل ملازما للمسجد كأنه من سواريه وأعمدته، وكان بكاراً إلى الصلاة، كأنه حمامة المسجد، كما يقال، وكنت أحبه في الله، ويحبني، ولا أكاد أرفض له طلبا لما كنت أجد فيه الخصال الطيبة، والنفس الطيبة. أذكر أنه كان إذا دخل رمضان، وأعلن عن ثبوت رؤية الهلال يطلب مني أن اذهب معه إلى كل من يعرفهم، أو يتعامل معهم، من الجيران، وسكان الحي، وجماعة المسجد، فيأتي كلا منهم طالبا منه المسامحة، والعفو والصفح، إذا كان قد حدث بينهم أي خطأ، أو سوء تفاهم، أو أي تجاوزات. وكان يقول: أخشى أن يكون في نفوسهم شيء، ورمضان قد دخل علينا يا بني. وما زلت أذكر يوم أن أمسك بيده، وهو يتوكأ على عصاه، ونمر على جيرانه واحدا واحدا، يستسمحهم، ويطيب خواطرهم. ويصفي ما بينه وبينهم إن وجد شيء. فما أجدرنا أن نجعل من أيام رمضان فرصة سانحة لفتح صفحة جديدة مع أهلنا، ومع جيراننا، ومع أولادنا، ومع زملائنا في العمل، ومع جميع المسلمين. لنجعل من رمضان فرصة لتنقية القلوب، وتصفية النفوس، والعفو عما فات، والاحسان فيما هو آت، وتحقيق معاني الأخوة الإسلامية كما ينبغي أن تكون. ولا ينبغي أن نفوت هذ الفرصة الذهبية في رمضان، فإننا إذا أدركناها لا نضمن أن تتكرر علينا.
عبد الكريم بن صالح المقرن/ الرياض |