سعياً، قصَدتُكِ للهدايةِ مصدرَا
تحدو بيَ الآمالُ: يا أمَّ القرى
وشددتُ حبلاً من حبالِ عقيدتي
حولي، لأغدوَ بالكمالِ مخصّرَا
يتشوّقُ الإيمانُ بينَ جوانحي
عزماً يرمّمُ ما تفصّمَ من عُرىَ
ووطأتُ تربَكِ فاستحلتُ بأكملي
قلباً من الهدْي الرشيدِ مُجوهرَا
(وقبضتُ من أَثَرِ الرسولِ) بشارتي
لَمّا أتى نحوَ الأنامِ مُبشّرَا
أقفُو خُطى (جبريلَ) تزهو مثلمَا
عقد من الشُهُبِ الوِضَاء تنثّرَا
تذكو بيَ الأشواقُ مثلَ مولّعٍ
وطأَ الثرَى المشتاقَ فانتبهَ الثرَى!
وكشفتُ ستراً عن جنانِ (مُحمّدٍ)
لَمّا تفايضَ بالشمائلِ أنهرَا
حيثُ الرسالةُ وهْيَ أقدسُ منبعٍ
من كفّهِ فوقَ الضلالةِ قد جرَى
فتفتّقتْ صمُّ الجبالِ سنابلاً
من رحمةٍ لما رُواهُ تفجّرَا
وتورّد الإسلامُ في أكمامهِ
خضلَ السماحِ شذىً يرفرفُ مزهرَا
شبّتْ جوارحُهُ فأصبحَ يافعاً
يكسُو ملامحَهُ الرشادُ فيكبُرَا
والجاهليّةُ في مراتعِ غيّها
ولّتْ تجرّ ضلالَها المتجبّرَا
وعلَى شموخِ المؤمنينَ ونصرهمْ
نَزلَ الكتابُ: مسهّلاً وميسّرَا
فإذا الحياةُ قصيدةٌ نبويةُ ال
شطرين، كانَ شِعارُها: لن أُقهرَا
يا مكةَ المجد الرفيعِ وقلعةَ ال
الأحرارِ، نالوا في هواكِ المفخرَا
وتجرّعوا كأسَ العذابِ فأدركوا
خلفَ العذابِ من الحلاوةِ سُكّرَا
دكُّوا القيودَ على صخورِ عزيمةٍ
من روحهمْ حتّى احتووْك تَحرُّرَا
أوَتذكُرينَ الحجّ يومَ تدافعتْ
زمرُ الخلائقِ في فِنائكِ محشَرَا!!
ما كانَ ضاقَ بكِ المكانُ كأنّما
كانتْ حدودُكِ من حدودكِ أكبَرَا
وأنا على طَرَفِ المقامِ تجرّدتْ
روحي لتسبحَ في الخيالِ تفكُّرَا
في أيِّ (ألبُومِ) الطيوفِ سألتقي
بك كوكباً في ناظريّ مصوّرَا!!
إنّي لأنسجُ من نضالك بُردتي
عزماً وأشعلُ بالحنينِ المئزرَا
وأطوف حولَ مشاعري متيمِّناً
بالطهرِ فيكِ: مهلّلاً ومكبّرَا
وعلى فمي الأشعارُ تنسجُ محفلاَ
مِمّا أتوقُ: موشّحاً ومشطّرَا
حيثُ المشاعرُ والشعائر توأمٌ
يتفايضانِ على الدفاترِ أسطُرَا
تجري على الورق الصقيل فدفترٌ
شوقاً، يزاحم في الصبابة دفترَا
وهنا أشدتُ من القصيد منارةً
وأضفتُ فيكِ إلى المشاعرِ مشعرَا
وأفقتُ أدعكُ ناظري في صحوةٍ
تأبَى لوجهِ صباحهَا أن يُسترَا
ورجعتُ بالذكرى لسالفِ أعصُرٍ
حتّى أسائلَ عن رؤاكِ الأعصُرَا
يا مكةَ البيتِ العتيقِ وزمزمٍ
أبداً يسيلُ قداسةً وتطهُّرَا
سيظلُّ اسْمُكِ ما تَهَرّأتِ الدُّنى
اسْماً على كلِّ البقاعِ موقَّرَا
ما بينَ مَروَتكِ الطهورةِ والصفَا
وقَفَ التفكّرُ إذ رأَى ما لا أَرى
هل كانَ إبراهيمُ يرفع لبنةً
ويشدُّ بنيانَ القواعدِ آجُرَا!!
أم كانَ إبراهيمُ يرفعُ عزّةً
للحقِ حج لها الهُدى وتعمّرَا!
فبرزتِ أجملَ ما تكونُ صبيّةٌ
قدْ صاغَها ربُّ الجلالِ وصوّرَا
حيثُ الصباحُ سحابةٌ سالتْ على
قدميكِ إذْ رفّ الضياءُ وأثمرَا
ومدارسُ الآياتِ حيثُ تنزلتْ
للناس تكتبُ: منهجاً ومقرّرَا
ومنائرُ التوحيدِ تصعدُ سُلّماً
في الأفق، فارتحلَ الظلامُ وأدبرَا
وملائكُ الإيمان تهبطُ موكباً
من رحمةٍ بالمكرماتِ مُسَوّرَا
يا مكةَ الشرَفِ المُعظّمِ أخجلتْ
(كسرى) وأحيتْ ذا الجلالةِ (قيصرَا)
قومي امنحي الأجيالَ وهجَ هدايةٍ
نحوَ التقدّمِ تستفزُّ القهقرَى
أستنهضُ الماضي لأمنحَ حاضري
من خفقِ أضلاعِ الصحابةِ منبَرَا
وأشدّ من أنفاسهمْ نحوَ العُلا
جسراً يطلُّ على النجومِ ومعبَرَا
وألمُّ من ضوءِ العقيدةِ حزمةً
وأُعيدُ وجهاً للحياةِ مُنوّرا
وأصوغُ عن (غارِ) البطولةِ قصّةً
عن صاحبينِ على الكفاحِ تآزرَا
مُتعاضِدَين كمَنبعَينِ توحّدَا:
فالسلسبيلُ هوىً يؤاخي الكوثَرَا
فلربّما تصحو ضمائرُ أمّةٍ
هَرِمَتْ، تباعُ إلى المزادِ وتُشتَرَى
عبقتْ بكِ الأزمانُ مسكاً وانتشى
أفقُ العوالمِ من ترابكِ عنبَرَا
وتبَرَّجَ الإصباحُ فيكِ حقيقةً
تدحو بحجّتها الصباحَ المُفتَرَى