Monday 24th October,200512079العددالأثنين 21 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "منوعـات"

وعلاماتوعلامات
يبن الآنسة (ميّ) وولي الدين يكن 1 - 4
عبد الفتاح أبو مدين

الانسة ميّ الأديبة اللامعة، قال صاحب الإعلام الأستاذ خير الدين الزركلي في ترجمتها: (ماري بنت إلياس زيادة، المعروفة بميّ، أديبة كاتبة، نابغة، قال فيها مصطفى عبد الرازق: (أديبة جيل، كتبت في الجرائد والمجلات، وألَّفت الكتب والرسائل، وألقت الخطب والمحاضرات، وجاش صدرها بالشعر أحياناً، وكانت نصيرة ممتازة للأدب، تعقد للأدباء في دارها مجلساً أسبوعياً، لا لغو فيه ولا تأثيم، ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء، في غير جدل ولا مِراء).
كان والدها من أهل كسروان (بلبنان) وأقام مدة في الناصرة (بفلسطين) فولدت بها (ماري) وتعلمت في إحدى مدارسها الابتدائية، ثم تعلمت بمدرسة عين طورة، بلبنان.. وانتقلت إلى مصر مع أبويها.. وكتبت في جريدة (المحروسة) وفي مجلة (الزهور) وأحسنت مع العربية اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية.. أشهر كتبها (باحثة البادية) و(بين المد والجزر) و(سوانح فتاة) و(الصحائف) و(كلمات وإشارات) و(ظلمات وأشعة) و(ابتسامات ودموع) ولها شعر بالفرنسية، وعلم بالتصوير والموسيقى.. مات أبوها ثم أمها، ولم تتزوج، فشعرت بالوحدة، وغلبها الحزن، فاعتزلت الناس، وانقطعت عن الكتابة والتأليف، وتغلبت عليها (الوساوس) فمرضت بها سنة 1936م وظلت في اضطراب عقلي نحو عامين، وتعافت، ثم عاودها المرض، فتوفيت في مستشفى المعادي (من ضواحي القاهرة) ودفنت في القاهرة.. وقالت السيدة هدى شعراوي في تأبينها: (كانت ميّ المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة) ولجميل جبر كتاب (ميّ في حياتها المضطربة) ولمحمد عبد الغني حسن (حياة ميّ) وللدكتور منصور فهمي (محاضرات عن ميّ زيادة مع رائدات النهضة النسائية الحديثة) - وللمطالع أن ينظر ميّ زيادة في مذكراتها - كان أبوها وأمها يعتنقان في النصرانية مذهبين متباينين، فالأول ماروني، والثانية آرثوذكسية، وقد تعزو تسامحها الديني ومجافاتها للتعصب إلى ذلك التباين الذي كان بين الأب والأم في مذهبيهما.. لقد شغلت ميّ كبار الأدباء بإنتاجها الحافل وشخصيتها المحببة، وسلوكها الطيب النزيه، فجعلوا يتهافتون على ندوتها، وينظمون القصائد في مدحها، ويكتبون المقالات النقدية في آثارها الأدبية، ومنهم الأساتذة الكبار أحمد لطفي السيد وإسماعيل صبري الشاعر الكبير، وأحمد شوقي أمير الشعراء، وعباس العقاد ومصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران، وانطوان الجميّلن ومصطفى عبد الرازق ومنصور فهمي، ومن لا نُحصي من كبار الأدباء، ولهم في حديثها شهرة محببة تتسم بالنبل والعفة، لكني رأيت، أن أديباً كبيراً كان قريع شوقي وحافظ ومطران، وكان ذا صلة وثيقة بها، لكن صلته بها لم تنل قدْراً من الذيوع كما نالت علاقة هؤلاء الكبار، فرأيت أن أتحدث عن هذه الصلة الأدبية الرقيقة، ذلك أن الذي دفعني إلى ذلك ما كتبه الأستاذ كامل الشناوي في كتابه الصغير: (الذين أحبّوا ميّ) وقد نشرته دار المعارف في سنة 1972م، وكان مثاراً لتعليق الصحف المصرية، لأن كامل الشناوي صحافي بارع، كان زميلاً للأستاذين علي أمين ومصطفى أمين، واقترن اسمه باسمهما وقتاً غير قصير، ويزيد عنهما ميله الأدبي للشعر والأدب، فله ديوان طريف، أسماه: (لا تكذبي) وفيه قصيدته التي غنتها نجاة الصغيرة، كما غناها المطرب الشهير (محمد عبد الوهاب).
غير أن ولي الدين يكن بن حسن سري بن إبراهيم باشا يكن، تركي الأصل لم يأخذ حظه من الذيوع الأدبي كزملائه، وهذا ما عناه الأستاذ الكبير كرم ملحم كرم الكاتب اللبناني الشهير، حيث نشر مقالاً قوياً بمجلة الرسالة بتاريخ 31-10-1938م بعنوان: (ولي الدين يكن تجاهله المصريون) قال فيه:
(مما يؤلم أن ليس لولي الدين يكن صدى مسموع في وادي النيل، وهو الذي ملأ وادي النيل صيحات وأغاريد، فالمصريون إخوانه لا يحفلون به كما يحفلون بسواه من رجال الأدب والعلم، فكأنه لم يكن، مع أن ولي الدين بلغ مكانة في الأدب والبيان يحنّ إليها عدد وافر من بني قومه، ومعظم هؤلاء الذين يكتبون اليوم في مصر لا يجيدون الكتابة كما أجادها ولي الدين، فإن لولي الدين في الإنشاء أسلوباً لم يسبقه إليه مُنشىء وما جاراه فيه أحد، فارتقى إلى ذروة سامية كان فيها يسبح وحده، فنفحنا بلغة القرآن، كما نفحنا جبران بلغة التوراة، وظهرت لنا منه الفخامة والتشبيه البكر، والرقة والبلاغة، وقد يكون في بيانه أقدر كاتب عرفته مصر، فما في أسلوبه تقعُّر ولا تحذلُّق ولا ترهُّل، بل قوة ورسوخ لحمته الإخلاص، فليس كتابة ولي الدين ليملأ فراغاً، بل ليجود بما تزخر به نفسه من أشجان).
والحظ الذي لازم ولي الدين بعد وفاته بسنوات عدة، وأشار إليه الأستاذ كرم ملحم كرم في وضوح وقوة، لازم الرجل الطلعة منذ فاضت روحه، فقد كتب الأستاذ الكبير أنطون الجميل رئيس تحرير جريدة الأهرام يقول في مقدمة ديوانه:
(وقد قدّر له أن يغمط فضله بعد مماته، كما غُبن في حياته، فقد اجتمعنا في الخامس عشر من شهر إبريل سنة 1921م لتأبينه فإذا بنا نفر قليل حول قبره، فأنت تفتِّش عن حملة الأقلام ومعظم أدباء مصر، فلا تجدهم مع أنه كان خليقاً بهم أن يتألبوا حول ضريح من كان في طليعة الأدباء نزاهة وإباءً وشرفاً وطيب نفس وكرم عنصر.. لكن ولي الدين كان يتوقع مثل ذلك، فهو الواصف حالة الأديب في الشرق في مقال له بعنوان (مصارع الأدباء) قال فيه:
علم من أعلام العراق هو أبو القصائد المحبّرة، والقوافي المحكمة، مقيم في مصر في دار هرمه يُعالج أيامه، ويعاني شدائده وليس في مصر من يقول له أين أصبحت أيها الأديب العظيم، يريد بذلك الشاعر الكبير عبد المحسن الكاظمي).
وأحمد مفتاح رجل البلاغة يموت ويدفن، ولم يُكتب خبر وفاته في أي جريدة كما علمت، وهو أديب عراقي كان يعيش في مصر.. ومحمد إمام العبد، وهو شاعر مجيد، يوسد بالأمس في التراب، ولا يتقدم أحد ليقيم له ليلة مأتمه.. وهذا الشاعر، كما ترجم له الأستاذ الزركلي في الاعلام، فقال: إنه آية في الظرف، أجاد الشعر والزجل، سوداني الأصل، ولد ونشأ في القاهرة، وكان هجّاء مقذعاً في زجله وديعاً دمثاً خفيف الروح في خلقه، تعلَّم في إحدى المدارس الابتدائية، ولم يتزوج، وهو القائل:


(أنا ليل، وكل حسناء شمس
فاقتراني بها من المستحيل)!

اتصل بالشيخ محمد عبده ورثاه بقصيدة مطلعها:
فداك أبي لو يُفتدى الحر بالعبد

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved