Monday 24th October,200512079العددالأثنين 21 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

باختصارباختصار
(لحية غانمة)!
نورة المسلّم

كنت أسمع هذه الكلمة من أبي وجدي رحمهما الله، وكنت أظنها تدل على أن صاحبها ظافر بغنيمة أو ذو جاه وثير، حين شرح لي حينها أبي غفر الله له أنها تعني طبائع الرجل ومعدنه ومواقفه، وجميع تلك الخصال التي تفرز حقائق الرجال. ورغم ان هذا الزمن حظي بالكثير من المعارف والألقاب والصفات، بل إن كثيراً منها دخل السوق من بابها الواسع، وان الثراء وحده ربما كان كافياً لإضفاء مزيد من الالقاب والقامات بالمقاس وكيفما اراد له صاحبه ان يكون أو يتجمل، إلا أن الحقيقة التي نعيشها الآن هي اننا في زمن (اللحى الخاسرة)؛ فالمظهر العام لأدبيات الناس والأخلاق يبدو باهتاً ومتذبذباً، حتى انك بالكاد ترى أناسا على سجيتهم وبخصال حميدة يتعاطون بها مع غيرهم من دون ان يوصفوا بالسذاجة، أو من يطلق عليهم (على نياتهم).. تأتيك الحيلة هنا في الذكاء الشديد والحذر المبالغ فيه، حتى تجدها أول وآخر الوصايا من الأعزاء عليك، وهو ألا تمد خيطك للآخرين إلا في أضيق الحدود.
هناك أمور أخرى يمكن أن تضاف إلى باعة الثقافة الاجتماعية وتجار النصائح، واحياناً كثيرة تؤكد لك المقالب الإنسانية والمصالح بعضا من صحة هذا الحذر الذي يلح به عليك أقرب الناس، لكن الدنيا تظل مثل البوابة البيضاء، التي لا تطبع فيها بصمات السواد أو الألوان الغارقة في الكيد والمكر؛ لأن دوافع اخرى اكثر جمالاً تدفع بك إلى حيث المقايضة الجميلة مع نفسك وبالتالي التصالح معها.
الملاحظ الآن ان الناس تعاني فقراً في أدبياتها وتعاملاتها مع بعضها بعضاً، في حين تردت اللغة التي يتخاطب بها العموم. ورغم تعدد مصادر الثقافة والانفتاح، إلا أنها بقيت محصورة في مظهر شكلي لا يعتني كثيراً بالداخل.
من هنا تستطيع أن تلتقط شكاوى الكثيرين من تدني الاخلاق والقيم، ومن نقص في المناعة الادبية والدفاع عن كلمة أو حق، ومن غياب الرأي الفردي الذي تربى على الجماعة، حتى وإن كانت على خطأ، وهو ما تتكرر مشاهده في قائمة المعاريض التي تندد جماعياً بضياع الأخلاق والهوية، لكنها تبدو متحزمة بأسماء ومقامات، تضيع في سلم ترتيباتها الاجتماعية، وبالتالي تحرم من التعبير الذي ينمّ عن رؤية واضحة أو مبدأ تؤمن به، وبالتالي لا اعتبرها تعبر عن نفسها برشد مكتمل أو وعي مدرك.
يضاف إلى ذلك ما يدخل ضمن المنظور العام المتدني، الذي وصل أيضاً حتى إلى علاقة الأسر بأبنائها في نقطة لا تلتقي، وبهذا يفتقد الكثيرون الصلة الإنسانية الفطرية حين تغربت كل اشكال المجتمع المحافظ أو الاصيل، وهو المجتمع الذي ما برح يتلو كل يوم ويلاته على ضياع الهوية والخصوصية التي اختطفت منه.
أما اللحى الغانمة، فليس مكانها هنا، بعدما ذهب روادها (إلا من رحم ربي)، في حين بقي تجار الخسارة يراودون الصفقات على المشارب كافة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved