Monday 24th October,200512079العددالأثنين 21 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

الملك عبد الله..الحسم دون إرهاقالملك عبد الله..الحسم دون إرهاق
السفير: عبد الله بشارة

دائماً أقول إن هيئة المملكة العربية السعودية أكبر من صوتها، وإن إنجازاتها أعلى من تصريحاتها، وإن محتواها أسمى من بياناتها، وأردد هذا التفكير من خبرة المعايشة والمعرفة ومتابعة الشأن السعودي، ولذلك فقد سعدت كثيراً بالمقابلة التي تفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمنحها للمذيعة الأمريكية المشهورة (باربرة والترز) التي أعرفها جيداً وجلست معها في حوارات في السبعينيات عن السادات الذي كانت ترى فيه شخصية إعلامية جديرة بالملاحقة.
وسعدت أكثر أن تكون أول مقابلة يجريها الملك عبد الله مع وسائل الإعلام الأمريكية من نصيب الإعلامية المؤثرة باربرة والترز.
ورغم قيود الوقت فإن الملك عبد الله قدم أجوبة متعددة لجميع الأسئلة التي طرحتها القناة الأمريكية، واختار الملك نهج الإجابات القصيرة الشافية التي يستذوقها المشاهد الأمريكي الذي لا يتفاعل مع أطروحات التنظير والتحليلات الطويلة.
وأود أن أبدي بعض الملاحظات المستخلصة من المقابلة، والنابعة من معايشة لأكثر من اثنتي عشرة سنة في الرياض:
أولاً: يؤمن الملك عبد الله من خلال الأجوبة ومن خلال القرارات التي اتخذها، بضرورة التناغم مع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تجتاح الكون بسبب تداخل المصالح وبسبب ثورة الاتصالات، واختزال المسافات، وترجمة لذلك الإيمان بالسعي نحو الانفتاح، فقد حدد الملك الأسلوب الذي تتبناه المملكة في تحقيق الاستراتيجية التي رسمها، وهو الأسلوب الذي جاء واضحاً في الرد على النقاط التي أثارتها المذيعة الأمريكية عن الشأن النسائي في المملكة، مثل حق إزالة القيود على قيادة السيارة وحقوق المرأة في التصويت في الانتخابات، ويرد الملك بالآتي: (أعتقد بأن كل شيء يتغير ولكنه يحتاج إلى وقت، شعبنا بدأ للتو ينفتح على العالم، وأعتقد بأنه بمرور الأيام في المستقبل كل شيء ممكن).
وفي ذلك الجواب موقف محدد بألا توجد حواجز دائمة وإنما تحقيق الخطة يأتي مع التدرج وفق قدرة الشعب على التقبل والتفاعل الإيجابي، والملك هنا واضح - وبدون غموض - يقول: (إنني أقدر وأهتم بشعبي كما أهتم بعيوني، وأحترم شعبي ومن المستحيل أن أعمل أي شيء غير مقبول من شعبي).
وتزداد مشاعر الانسجام مع ما يريده الشعب في الرد على السؤال عن إلغاء تقبيل الأيادي، فيقول: (أنا أكره مثل هذه الأمور، لأني أعتقد بأن الإنسان يجب ألا ينحني سوى لربه ولا ينحني لأي بشر) في رد شاف في تعظيم آدمية الإنسان وحماية هيبته.
ثانياً: يتحدث الملك في السياسة، في أربع قضايا مهمة، العلاقات مع واشنطن، الإرهاب، النفط، والعلاقات مع إيران.
ويمارس الملك أسلوب الصراحة والوضوح، فيقول: (إن مسك الأيادي بين القيادات هو تعبير عن الصداقة والوفاء ونفعل ذلك مع الأشخاص الذين نعزهم والرئيس بوش صديق أعتز بصداقته)، ويضيف الملك - لتهدئة المذيعة - قائلاً: (إن الشعب السعودي لديه بعض الخلافات مع الولايات المتحدة خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل القضية الفلسطينية، والحرب في أفغانستان والحرب في العراق، وأعتقد بأن هذا قد أثر على الرأي العام السعودي تجاه الولايات المتحدة، ما نطلبه هو أن تسود العدالة والمساواة بين كافة الجماعات العرقية في العراق، نحن نعتقد بأن العراق هو بلد واحد يعيش فيه الناس بسلام وعدل).
ويحدد الملك سياسة المملكة تجاه العراق (المملكة حتى اليوم لم تتدخل في شؤون العراق، لأننا لا نريد أن نعرض أنفسنا لاتهامات بأن لنا يداً في تفتيت العراق، لقد اتهمنا في السابق بأنه كان لنا يد فيما حدث في العراق خاصة فيما يتعلق بالعنف وبالإرهاب ونحن براء من هذه الاتهامات وقد ظللنا على الحياد بالرغم من الظلم الذي يحدث الآن).
ونستخلص من هذا الجواب حول العراق، أن الملك يريد أن تكون صيغة العراق مقبولة من الجميع وألا يعمق الوضع الجديد مخاوف السنة، ولا تستفيد قوى خارجية من مأساة العراق، ولذلك سعت المملكة إلى اجتماع في اللجنة العربية المكلفة بمتابعة الشأن العراقي في مدينة جدة، وتم الاتفاق فيه على إيفاد الأمين العام للمساعدة في التوصل إلى توافق بين جميع الطوائف حول صيغة المستقبل.
ثالثاً: ينتقل الملك في لقائه إلى الدبلوماسية السعودية النفطية، بعدما أشارت المذيعة الى أن الرابط الحقيقي بين البلدين هو البترول، وتشير أيضاً إلى قلق الشعب الأمريكي من ارتفاع الأسعار.
ويحدد الملك في إجابته استراتيجية المملكة في دبلوماسية النفط حين يقول: (إن المملكة تحاول زيادة الإنتاج والخطة هي رفع الإنتاج إلى اثني عشرة مليون برميل يومياً خلال السنوات الأربع القادمة، بعد أن وصل الإنتاج إلى عشرة ملايين، والمملكة لا تقبل الزيادة في الأسعار مع أنها استفادت مادياً إلا أن الضرر كان كبيراً على الدول الأخرى، ولا نعتقد أن الأسعار يجب أن تكون في هذه المستويات، وعند المملكة احتياطي يكفي لتوفير الإمدادات لأكثر من 60 أو 70 سنة).
وفي هذا الجواب المبسط، يكشف الملك عن الاستراتيجية السعودية التي تدرك أن الذي يملك النفط عليه أن يتصرف بمسؤولية عالية تجاه الاقتصاد العالمي، وعليه أن يدرك أن النفط سلعة استراتيجية يحرص العالم على توفرها ولا تخضع للمزاجية القيادية ولا للتقلبات السياسية.
وفي هذا الموقف تتحدد مكانة السعودية ومصداقيتها العالية التي بنتها من خلال سلوكها المسؤول والناضج والحكيم في الدبلوماسية النفطية التي حددها الملك عبد الله، والتي تتأثر بها دول مجلس التعاون.
ولهذه السياسة العاقلة مردود كبير تتمتع به دول مجلس التعاون في علاقاتها الدولية وفي شبكة المصالح التي تجمعها مع أوروبا ومع بقية أعضاء الأسرة العالمية.
وأعتقد بأن هذه السياسة البناءة قضت على المزايدات الراديكالية من بعض الأطراف الأعضاء في الأوبيك وحولتهم إلى المباركة فقط بعد أن كانوا صناع القرار داخل المنظمة.
رابعاً: يتحدث الملك عن العلاقات مع إيران، فيقول: (إيران دولة صديقة مسلمة نأمل ألا تصبح عقبة في وجه الأمن والسلام في العراق، هذا ما نأمله وهذا ما نعتقد بأن العراقيين يأملون فيه).
هناك قلق سعودي من التدخلات الإيرانية جاءت بشكل مكبر وموسع في تصريحات الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، في حديثه في واشنطن وفي تكساس، وفي جدة مع اللجنة العربية وفي الاجتماع الأخير، وهو العامل الأساسي في قرار اللجنة بإيفاد الأمين العام إلى بغداد للمساعدة في كتابة صيغة الوفاق الوطني العراقي.
ويجيب الملك على المساعي الإيرانية للحصول على السلاح النووي: (المملكة مثل دول العالم، ومثل دول المنطقة تحرم الأسلحة النووية في كل بلد في أنحاء العالم وخاصة الشرق الأوسط، وأرجو أن تمنع هذه الأسلحة من إيران وغير إيران).
وفي هذا المجال، أتمنى أن يكون موقف دول مجلس التعاون أقوى وصوتها أعلى ونغمتها واحدة في رفض المساعي الإيرانية لامتلاك السلاح النووي، فلا أطمئن لنوايا إيران ولا أثق بوعودها، وأنا مؤمن شخصياً بأن إيران ستعمل على الحصول على السلاح - بكل قوة - وبدون حسابات لردة الفعل لدى الجيران وغيرهم، لأنها ترى في السلاح النووي الضمان الواقي لحكم الثورة المتصدع.
وأنا من الداعين إلى طرح مشروع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تقدمه دول المجلس لتحريم الأسلحة النووية وذات الدمار الشامل في منطقة الخليج.
إعلان الخليج منطقة خالية من السلاح النووي هو مطلب عالمي بسبب التميز الاستراتيجي للمنطقة وبسبب ترابطها المركب مع الأمن والسلام العالميين، وهي ليست منطقة الشرق الأوسط التي لا يوجد إجماع حولها، منطقة الخليج تتمتع بإجماع عالمي وإصرار دولي على خلوها من أسلحة الدمار الشامل.
وأتمنى أن تتفق دول مجلس التعاون على موقف موحد لإعلان الخليج ساحة سلام وازدهار نظيفة تماماً من السلاح النووي المدمر وغيره.
ويتحدث الملك عبد الله عن الإرهاب في نبرة الإصرار على مواصلة المواجهة متعهداً بأن يواصل القضاء على تنظيم القاعدة (حتى لو استغرقت المعركة ضده عقوداً من الزمن) واصفاً التنظيم بأنه من عمل الشيطان.
عندي شخصياً ثلاثة تمنيات بسيطة أشعر بضرورة متابعتها من قبل المسؤولين في المملكة:
أولها: ضرورة الإكثار من التحاور مع المؤسسات الإعلامية العالمية من قبل المسؤولين في المملكة والتناغم مع موجة الإعلام الكاسحة لأهمية دورها في تعريف العالم بالفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمنظومة الحكم في المملكة، وذلك يعود لمكانة المملكة العالية وأهمية التثقيف والتنوير في رفع هذه المكانة.
ثانيها: الدفع بالكفاءات السعودية للمشاركة في المؤتمرات والندوات والمناظرات العربية والعالمية وتشجيع الكفاءات التي تملكها المملكة وهي كثيرة جداً وتطمينهم بأهمية المبادرة وأهمية التحاور والمشاركة في المداخلات وتقديم أوراق العمل.
ولا أتجاوز الواقع عندما أقول إن مشاركة الكفاءات السعودية في المؤتمرات لا ترقى إلى مكانتها المعروفة، مع إرسال وفود متواصلة لترسيخ الحوار.
وثالثها: النظر بإيجابية لأهمية زيارة رجال الإعلام والمفكرين والصحفيين ورجال الأعمال إلى المملكة وتوفير سهولة الوصول بإجراءات التأشيرة، للدور المميز لهذه الزيارات في التعرف على واقع المملكة وإنجازاتها.
هناك الكثير من الإنجاز والكثير من الاعتزاز به، وتبقى حيوية الإجراءات ودورها لتقديم هذا السجل الحافل للرأي العام العالمي.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved