Monday 24th October,200512079العددالأثنين 21 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

الرئة الثالثةالرئة الثالثة
نظافة القلوب.. أولاً وأخيراً!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

* ليتنا معشَرَ البشَر، في هذه الأرض وغيرها، نهتمّ بنظافة قلوبنا من الغلّ، وأفئدتنا من الغشّ، وألسنتِنا من غوغائّية الكلام قَدْر اهتمامنا بنظافة أجسَادنا وملابسِنا ومَنازلنا وأسْواقنا وشوارعنا، حتى بتْنا نخصِّص أسبوعاً توْعوياً كل عام لموضوع (النظافة) رغبةً في تكثيف وعينا العام بها، التزاماً وامْتثالاً واحتراماً!
***
* وهو تقليدٌ حضاريّ جميل ألفته بلادنا منذ سنين، ومثلُه أسبوعُ المرور وأسبوعُ الشجرة، وأتمنَّى لو يمتدّ هذا (التقليد) إلى مفرداتٍ أخرى في قاموس حياتنا، فنقيم للوطن أسبوعاً.. عِرْفاناً بفضله.. وللوالدين أسبوعاً.. تأْصِيلاً للبرّ بهما، وللمعلِّم أسبوعاً.. تكريماً لجهده، وللمعاق أسبوعاً.. تضامناً معه، وللفقْر أسبوعاً، كشْفاً لمعاناة أهله، وللمَرض أسبوعاً، وقايةً منه!
***
* وقد يحلّق بنا الخيال بعيداً.. فنشْغل كلَّ أو جلَّ أسابيع العام بمفْرداتٍ مماثلة وتصبحُ جلُّ أيامنا (مهرجاناً) تتواصل أيامه بلياليه.. احْتفاء بهذا.. أو تكْريماً لذاك... أو دَرْءاً لسوء ثالث، وبذلك يتعّمقُ إحساسُنا بمَنْ وما حولنا! وتغدو الحياةُ (صراطاً) من متعة الحسِّ والإحسَاس!
***
* هنا.. تفْتنني نزعةُ السؤال في أكثر من صوب فأقول:
* ما العبرةُ في إقامة هذه الأسابيع إذا كانت مشاركةُ المواطن فيها تقفُ به عند بوابة السّمع والبصَر متفرّجاً.. ولا تتجاوزها إلى (خَلايا) العقل والروح المسيِّرة لسلُوكه المنشُود؟!
***
* ما قيمتُها إذا لم يسْتلهم منها المواطنُ (مواقف) تمتزجُ بذرَّات سلوكه اليومي، فيتعلَّم منها ما يفيدُه وينفَعُ الوطن؟! ويسْتَلهم من خلالها إحساساً يدرأُ به الأذى عن نفسِه وعمَّن سواه، ذلك الأذى الذي قد يُسْقطه عمداً أو سَهواً على المنجز التنموي زَرْعاً كان أو جماداً؟!
***
* ما قيمةُ هذه الأسابيع إذا لم تَلامس النبضَ الوجْداني للمواطن.. وتتحول إلى (مخزون أخلاقي) من الأوامر والنواهي يستضيفُها عقلُه ويحتضنُها قلبُه، ويمليها ضميره، فيحسن التعامل مع نفسه.. ومع الآخرين.. ومع شواهد الحسِّ و(الإحساس) مما يربطه بنفسه.. وب(الآخر).. وبالوطن؟!
***
* إنّنا في حاجة إلى أسبوع بل أسابيعَ.. لنظافة العقُول من تلوُّث القِيم والضمائر من صراع الغايات، والذّمم من حِمَم الهوى!
***
* نحن في حاجة إلى (جُرعاتٍ) مكثفة من (مُطهِّرات) العقُول والضّمائر والذمم نسْتخْلصُها من ديننا الحنيف و(مثاليّة) الإنسان القويّ القَويم، والنماذج المشرقة لآلياتِ التّعامل في بعض أوساط المجتَمع الإنسانيّ الحديث!
***
* نحن في حاجة إلى أسبوعٍ بل أسابيعَ.. لتطهير أنفُسِنا من غِيلةِ الظُّلم، وظَلامِ الحقْد، ومحنة الغيبة والنّميمة، وما يقاسُ على ذلك من آفاتٍ تنْأى ببعضنا عن بعض، وتُوغِرُ صُدور بَعْضنا على بعض، وتقْسِرُنا أحياناً أنْ نظْهر للغير مالا نبطن مسيّرين أحياناً ب(غُلُوٍّ) في طقوس المجاملات والنفاق الاجتماعي، ونكون بذلك كَمَنْ يحسبُهم المرء جميعاً.. وقلوبُهم شَتّى؟!
***
* باختصار، نحتاج إلى تقْويمِ (تعاملنا) مع كل مَظاهر حياتنا، مُثُلاً وبَشَراً ودابة وجماداً بدءاً بالقلب وانتهاءً به، وبغير ذلك لن يكون لنا حقُّ الادعاء بأننا حضاريّون.. منْتمون.. لأنفسنا.. وللعالم من حولنا.. ولو أقمنا كلَّ عام خمسين أسبوعاً.. لمائةِ غايةٍ.. ألف عام!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved