تمتد جذور الإدارة المالية في المملكة العربية السعودية إلى أيام الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يوم كان وزير المالية هو الوزير الأول والأساسي والأوحد لندرة المال ومصادره. وامتد هذا الظل والإرث التاريخي على وزارات المالية في العهود اللاحقة وحتى الآن. وما زال العاملون في وزارة المالية يعتقدون أنهم هم الذين يفهمون والحريصون على المال العام وحدهم وكل الوزارات والدوائر الحكومية تشكو من قلة الاعتمادات ومن سوء الإدارة المالية لصرف القيمة ما يعتمد منها والسبب غياب الإستراتجية المالية الواضحة والشفافية في كيفية الحصول على الواردات وكيفية اعتمادها وصرفها وإدارتها.فالوزارة الأم كما يسمونها لا زالت المهيمنة على الموارد المالية رغم تزايدها ولا زالت تستخدم الأساليب والأنظمة القديمة في إدارتها بل أن شغلهم الشاغل كيفية التوفير وليس الصرف.إن وزارة المالية لكي تصلح الأمور ينبغي أن تأخذ حجمها الطبيعي وتكون وزارة خزانة تستلم الواردات وتودعها في مؤسسة النقد وتصرفها بعد اعتماد الميزانية كوزارة مثل الوزارات الأخرى والتركيز على جباية الواردات من زكاة وضرائب ورسوم، أما وظيفة الميزانية العامة فاقترح أن تكون أما لدى رئاسة مجلس الوزراء لكي توزع الاعتمادات حسب الخطة والاحتياج وما على وزارة المالية الا الصرف مثل الخزانة التي تستلم وتسلم. أما القرار وكيف يصرف ولمن فهذا مهمة غيرهم. هذا ما هو متبع في أكبر الدول وهي الولايات المتحدة الأمريكية. يوجد لدى الرئيس مكتب للتنظيم والميزانية ويوجد وزارة خزانة وليس مالية وكذلك في الدول المتقدمة الأخرى. فإذا كنا نريد أن ننفذ الخطة فيجب أن تكون اعتمادات الميزانية بعيدة عن وزارة المالية. أما أن تكون في رئاسة مجلس الوزراء أو مع وزارة التخطيط لنقرب اعتمادات الميزانية مع اعتمادات الخطة ويتم تنفيذ الخطة كما اعتمدت.الأمر يتوقف على قناعة السلطة العليا بأخذ القرار المناسب ولكي يتم القرار فإني أقترح أن تعد دراسة من مركز دراسات إستراتيجيه مالية تقيم الأساليب والأنظمة المالية والإجراءات المتبعة في إدارة وزارة المالية ومن ثم تقدم الاقتراحات اللازمة. واعتقد أن هذه الخطوة ضرورية للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري التي تنشده الدولة ويطلبه المجتمع الدولي لا سيما بعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية. إن جوهر التنمية والتقدم وعصب الحياة هو المال وما لم نحسن إدارته فإن معوقات التنمية كثيرة وكفانا تجربة ما حصل أن التخطيط للتقليل من مركزية وزارة المالية بدأ منذ عدة سنوات بإعادة تنظيم الدوائر الحكومية ومنها وزارة والمالية متي تمت الخطوات التالية: - فصل معهد الإدارة العامة من الارتباط بوزارة المالية وربطه بوزارة الخدمة المدنية. - فصل أعمال التجارة الخارجية وضمها لوزارة التجارة والصناعة. - فصل الاحصاء والاقتصاد وضمها إلى وزارة التخطيط وهذة الخطوات ساعدت في الإصلاح المالي والإداري وبقي خطوة رئيسة هي التنظيم، والميزانية ينبغي إعادة تنظيمها ودراسة وضعها للوصول إلى احد البدائل: 1- هل تستمر مع وزارة المالية؟. 2 - أو هل ترتبط بمجلس الوزراء؟. 3 - أو هل ترتبط بوزارة التخطيط؟، للإجابة على هذا السؤال الرئيس فإن الجهة المعنية هي اللجنة الوزارية للتنظيم الأداري، فهي الجهة المخولة وتحتاج اللجنة إلى دراسة هذه الحالة أو هذا السؤال أما بواسطة فريق العمل لديها أو بواسطة مكاتب استشارية محلية وإدارية سعودية وليست خارجية ومن ثم اتخاذ القرار الإستراتيجي المناسب. إنني سبق أن طرحت مثل هذه الأفكار أخذ بعضها ولم يؤخذ بما يتعلق بالتنظيم والميزانية وسوف أظل أطالب بالدراسة لهذا التنظيم حتى يصلح ما أفسده الدهر. وأكاد: أجزم أن جزءاً من عملية الفساد الأداري الذي بدأ يتفشى في المملكة مرجعة إلى الإجراءات المالية والإدارية والتمثيل المالي أو المراقبة المالية والأنظمة المالية الضيقة، وهنا مربط الفرس كما يقال.ولكي أعطي مثلاً بسيطاً مما نشرته الصحف فقد نشرت جريدة اليوم في الصفحة الأولى خبراً تحت عنوان (وزارة المالية تؤخر افتتاح عشر قنصليات سعودية) في بعض الدول. وهذا القرار الذي اتخذته وزارة المالية سوف يؤثر على السياسة الخارجية وعلى التجارة بين المملكة والدول المعنية وعلى الحجاج وطلاب العمرة الذين يرغبون أخذ تأشيرات من أقرب البلدان إليهم وبهذا السبب إن صح فقد عطلت وزارة المالية المصالح، هذه المصالح ومصالح المملكة. وهذا الدليل يثبت ما ذكرناه آنفاً من الحاجة إلى إعادة تنظيم وزارة المالية وجعلها وزارة خزانة فقط.
|