حوار يتكرَّر كل عام.. يحمل في طياته لهفة الشباب وتصميمهم الراسخ وحماسهم المتوقِّد، ولكن هذا الحماس وهذا التصميم أكبر مؤشِّر على التجويف الفكري.. الذي ينخر عقولهم وأكبر مسبِّب له. قد تكون نظرتي سوداوية بعض الشيء.. وقد يكون هناك من يعارضني.. من ينعتني بقصر البصيرة.. ولكن للأسف.. لن يكون باستطاعته أن يبرهن.. صدِّقوني أحبتي.. كم بي من المنى أن تكونوا على صواب.. أن يكون ما سمعته خاطئاً.. أو ما رأيته بأم عيني.. ليس إلا وهماً.. ولكن.. وا أسفاه.. إليكم جوهر الحقيقة الذي أدمى قلبي أسىً وأذرف سيل دموعي حزناً ولوعة.. ففي كل عام وفي أواخر شعبان تحديداً.. تحرص الفتيات على جمع الأوراق والأقلام ويرسمن الجداول ويضبطن الساعات.. ولا ينسين المنبِّه أبداً.. لا بد أن يكون صوته عالياً ومدوِّياً.. يهاتفن الصديقات.. يسألن ويتثبتن.. ومن فرط الحرص فإن القلم بيد والورقة باليد الأخرى.. قد يقول قائل: وماذا في ذلك..؟ إن لليالي رمضان على النفوس هيمنة وسلطاناً.. وفيها روحانية الإيمان.. التي تشرح الصدر وتنير العقل فيمتلئ إلهاماً.. وتهفو القلوب فيها شاعرية وإيماناً.. فتبوح بما كنته ماضي الشهور.. ولكني أقول (وا حرقة قلبي). فلم تعد روحانية رمضان هي ما تتحرَّق إليه نفوس كثير منَّا شوقاً وتبتهل بسببها قلوبهم داعية: اللّهم بلِّغنا رمضان وروعة رمضان وأذقنا طعمه ومتعنا بحلاوة أيامه.. بل غدا الشوق منصرفاً لبريق الشاشات الزائف وحممها المتوهجة الأخاذة السناء التي أعمت القلوب قبل العيون وأغرقتها في براثن الضلال.. فتجمّدت العقول.. وأخمد الطموح.. وتوارت الهمم مع بقايا الهشيم.. ثم أغمدت خناجرها في الصميم.. فحما الوطيس.. واشتعلت روح التنافس وأصبح مرتكز الهمم كيف تكون القناة أكثر جلباً وأكثر سلباً.. حتى لو كانت النتيجة.. أكثر دماراً.. فهذه تستهل رمضان بإعلان يقول (الشاشة الأفضل في الشهر الفضيل). والأخرى تقول (رمضان يجمعنا).. وما إلى ذلك من الترهات التي تقلب اتجاه منحنى مضاعفة الحسنات في رمضان إلى الأسفل وتسقطها كما تسقط رياح الخريف أوراق الشجر. فاليوم رأينا من يرسم الجداول لتنظيم أفضل للوقت وأكثر استغلالاً له ولكن ليس لقراءة القرآن وتدبر معانيه، بل إن هناك خانة لاسم القناة وأخرى تحوي موعد المسلسل وبرنامج المسابقات الذي لا يخفى على أحد منا حكم الشارع الحكيم فيه.. قد أكون أحبتي بالغت في العتاب بعض الشيء ولكن.. يا لائمي.. إن الأيام تجري.. وسنينُ العمر تمضي.. بالأمس كنا في شعبان.. وها هي الآن ليالي رمضان تتسابق في الانصرام.. وغداً سنبكي مودِّعين له ومفارقين لياليه.. فمتى تحين ساعة الوقفة..؟ ومتى تنتهي الغفلة.؟ أحبتي.. كلي أمل.. أن يكون لكلماتي المحبة صدى في دواخلكم..أحبتي.. كلّي منىً.. أن يكون لنداءاتي العطشى من يرويها فيشد على يدي لنبدّد الغفلة ونعيد للتنافس الإيماني حضوره..ويصبح رمضاننا هذا هو موطن الغيير ونقطة الانطلاقة.. فنستمتع بلياليه قبل أن تحين ساعة فراقه فحينها لا ينفع الندم وحينها يحق البكاء.. وصدق من قال: