استند الأمريكيون إلى معلومات استخباراتية غير أكيدة في غزوهم العراق وشجعهم أيضاً فريقٌ من المعارضة العراقية آنذاك بتقارير سرية بأن الشعب العراقي سيمهّد الأرض بالخضرة ويرفع الرياحين والزهور لاستقبال جيشهم المحرر، ولكنهم فوجئوا وحلفاؤهم الإنجليز بصلابة الدفاع عن الأرض والعرض من قلة من الجيش تمركز في ميناء أم قصر ليبرهن للغزاة أنه أقسم أن يدافع عن تراب العراق وشرفه وهو تحت نير الظلم والاضطهاد الصدامي الذي أرعب وزراءه قبل أبناء شعبه وبث الخوف والفقر مقسماً بعدالة الظالم على كل فئاته، وقد تكون الحسنة الوحيدة لهذه القوات الأنجلوأمريكية تخليص الشعب والأمة من طاغية مهوس لا يثمّن عواقب الأمور وحرق الأخضر باليابس واخّر نمو دولة العراق لقرون! أن رائحة الدم البريء النازف بغزارة في الشارع العراقي أصبح الصفة المميزة للمشهد العراقي السياسي والأمني ورسم صورة ضبابية لمستقبل الشعب والدولة التي تمر بمنعطف خطير قد يهدد - لا سمح الله - الوحدة الوطنية والتي وجهت لها سهام المذهبية الدينية والعرقية لتمزق الروابط الاجتماعية التي يرتكز عليها هذا الشعب. وقد اتحدت كل قوى الشر العالمية لتخريبه وإضعافه تحت مسميات عديدة حاقدة على ماضي وحاضر هذا الشعب العربي الإسلامي وإخفاء هويته العربية وإحياء النعرات العرقية التي تفرق ولا توحد وتناسوا بأن هذا الشعب العريق لا يمكن أن تؤثر فيه سياسة (فرق تسد) والتي توارثتها القوات الغازية من حلفائهم الإنجليز الذين اعتمدوا هذه السياسة حين استعمارهم للعراق بعد سقوط الخلافة العثمانية. ونسوا بأن الثقافة الوطنية التي أورثها شعب العراق منذ أقدم الحضارات الإنسانية ولأكثر من سبعة آلاف سنة ليهدي الحضارة العالمية الحروف المسمارية وأصل أحكام العدل والقضاء متمثلاً بمسلة حمورابي ومكتبه آشور بانيبال الطينية وقوة وعدالة الملك البابلي نُبوخذ نصر قائد السبي البابلي! وكان نسيج اللعبة الدولية تلك المشروعات السياسية التي طرحت منذ تشكيل مجلس الحكم بتصنيف طائفي وعرقي وكذلك الوزارات التي تلت نهاية هذا المجلس الذي كان يقر جدول أعماله السفير بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق والذي ثبت الطائفية والفرقة الاجتماعية في نصوص قانون إدارة الدولة لتيسير الحكم بالعراق وطرحوا المرحلة الثانية من هذه اللعبة وهي إجراء الانتخابات في موعد قصير في وقته متزامناً بحملات عسكرية أمريكية على بعض المدن العراقية في قسمه الغربي مما عطل تلك الانتخابات التي أُجريت بحماية دبابة وجند المحتل الأجنبي وجاءت استفتاءً مذهبياً وعرقياً، فالشيعي المذهب لابد أن ينتخب قائمة الائتلاف والكردي القومي عليه أن ينتخب قائمة التحالف الكردية دون معرفة أسماء المرشحين! وجاءت لعبة الدستور لتشكل فصلاً آخر من فصول هذه اللعبة التي ينفذها المحتل بخبث ودهاء وبتزامن مكرراً في سحق المدن والقرى الغربية من البلاد بحجة ملاحقة الإرهاب وتهيئة الجو الهادئ للتصويت على الدستور المعد سلفاً وتثبيت أسس وآليات الديمقراطية المستوردة! المشهد العراقي مقسم الآن لطوائف وفئات قد تكون متناحرة فيما بينهم ولمصلحة المحتل الغازي، وهذا ما يهدف في تخطيطه لهذه اللعبة الديمقراطية المستوردة فأصبح الجزء الكبير من العراق والممتد من جنوب بغداد حتى البصرة يسعى لاهثاً في التمسك بخدعة العملية السياسية لتحقيقها السلطة والحكم (المؤقت) لهذه الفئة فحاولوا اللعب على حبلين أحدهما خيوطه إيرانية والآخر أمريكي الصنع عراقي المظهر ونسوا أو تناسوا خطر الاحتلال العسكري الأجنبي الذي أهان كرامة الشعب والوطن العراقي فدمر الشرف والعرض وفضائح سجن أبو غريب وأم قصر لشاهد دولي على الاستهانة بحرية واستقلال الوطن العراقي العربي وأصبحت السجون أكثر من المدارس والمستشفيات ولا تفرق في اعتقال المواطنين في جذورها وأعراقها، وهذه الفئة الطائفية المستظلة بالاحتلال لا ترى ولا تسمع هذه الانتهاكات الدائمة التي تشكل سلسلة من الجرائم الحاقدة بحق الشعب العراقي العربي والتي لا ترحب بكل مصالحة وطنية تنهي الاحتلال الأجنبي الجاثم على صدر هذا الشعب الصابر وتجفف منابع هذا الوباء المتمثل بالزرقاوي وعصابته التي أهدرت الدم العراقي بنير الإرهاب الدولي، فالعراق لا مستقبل آمناً له دون تماسك الوحدة الوطنية وأن يكون العراق لكل العراقيين، وأتمنى على ما تبقى من حكماء السياسة والوطنيين الصامتين صبراً بدعم المبادرة العربية وإنجاح مهمة السيد عمرو موسى لإعادة الهوية العربية لوجه العراق السياسي والمحافظة على وحدة ترابه الوطني ولا حرية ولا ديمقراطية تحت نير الاحتلال.
|