وهكذا طلاب العلم ينظرون في أقوال أهل العلم عند اختلافهم ويأخذون منها ما وافق الدليل دون تعصُّب. - ومن صفاتهم صون العلم: فلا يُذل العلم بذهابٍ إلى غير أهله من أبناء الدنيا من غير ضرورة أو حاجة. - ومن صفاتهم نفع الناس والتواضع والصبر عليهم: وهذه من أخلاق العالم الرباني وسبب لمحبة الناس للعالِم ولذلك قال الإمام أحمد - رحمه الله - في وصف العلماء: فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم. - ومن صفاتهم أنّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر: وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وبالأسلوب الحسن كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(108) سورة يوسف، والبصيرة هي العلم والحكمة فيجتهد العالِم في إنكار المنكر بدون تشهير أو تسمية الأشخاص بل يبيِّن الحق ويرفع الأمر لمن يستطيع إزالة المنكر. - ومن صفاتهم الزهد في الدنيا: وهذا سبب لمحبة الناس لهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (ازهدْ في الدنيا يحبك الله وازهدْ فيما عند الناس يحبك الناس). (رواه ابن ماجه). - ومن صفاتهم كثرة العبادة والذكر والبكاء من خشية الله: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}(107 - 109)سورة الإسراء. - ومن صفاتهم الرجوع إلى الحق إذا تبيّن أنّهم اجتهدوا فأخطأوا وقبول الحق ممن هو دونهم. أخي المسلم: - اعلم وفقك الله لكل خير - أنّه يجب علينا نحو العلماء أمور: أولاً: طاعتهم في غير معصية الله: فالله تعالى أمر بذلك كما في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}(59)سورة النساء، وأولي الأمر هم الأمراء والعلماء. ثانياً: عدم الوقيعة في أعراض العلماء: فالله تعالى حرّم الغيبة وجعلها من كبائر الذنوب قال تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}(12)سورة الحجرات، وفي سنن أبي داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به مر على قوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقال: يا جبريل من هؤلاء فقال: (هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم). وإذا كان هذا في حق عموم المسلمين فالوقيعة في أعراض علماء المسلمين أعظم إثماً وأشد جرماً. ثالثاً: عدم الالتفات إلى من يقلل من شأن العلماء أو يرميهم بالداهنة. رابعاً: التثبت فيما ينقل عن هؤلاء العلماء من أخبار. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(6) سورة الحجرات. خامساً: الحرص على سؤال العلماء والأخذ عنهم وحضور مجالسهم لا سيما عند وقوع الفتن والشبهات: لأنّ أعظم ما ينجي من الفتن وتحارب به الشبهات والأفكار الهدامة هو العلم النافع الذي يؤخذ من العلماء الصادقين الذين يوثق في علمهم قال الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(43)سورة النحل، وأهل الذكر هم أهل العلم بالكتاب والسنّة فلا يسأل من يتهم في دينه أو لا يعرف علمه أو يعرف أنّه منحرف عن منهج أهل السنّة والجماعة. سادساً: رد الأمور العامة التي تتعلق بمجموع الأمة إلى ولاة الأمور: فالأمور العظيمة التي تتعلق بالأمة كأمور الحرب والسلم والمعاهدات وغير ذلك لا يخوض فيها أي أحد بل هذه ينظر فيها أهل الحل والعقد من الأمراء والعلماء، ولا يجوز لأفراد الناس أن يتدخلوا لأنّ هذا يؤدي إلى التشتت وبلبلة الأفكار ويتيح الفرصة لأعداء الأمة الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(83)سورة النساء. سابعاً: أيضاً من واجبنا نحو العلماء الدعاء لهم بالسداد والصلاح والهداية للحق والصواب: لأنّ في ذلك هداية وصلاحاً للأمة كلها.
(*) إمام مسجد الصرامي بحي الشهداء |