Friday 14th October,200512069العددالجمعة 11 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

ألستم خير من ركب المطايا؟ألستم خير من ركب المطايا؟
عبدالله بن ثاني(*)

عندما مدح جرير الخليفة عبد الملك بن مروان بقصيدته المشهورة:
ألستم خير من ركب المطايا .. وأندى العالمين بطون راح
وقف النقّاد العرب والعجم عند هذا البيت وعدُّوه أعظم ما قالته العرب في المدح ولم يأخذوا على الشاعر أنّ ممدوحيه كانوا يركبون المطايا، لأنّه لم تتوافر وسيلة نقل غيرها في ذلك الوقت، ويقصد بالمطايا الدواب التي تحمل الإنسان ومنها الجمل، الذي لم ينفك ارتباطه بأُمّة العرب ابتداءً من رسولنا صلى الله عليه وسلم ومروراً بخلفائنا وانتهاءً بفرساننا وشرفائنا وعامّتنا، ولا تعد الأمم قاطبة ركوبه على مر التاريخ علامة من علامات التخلُّف، وهذا مما لم يتسع له ذهن صولاغ وزير الداخلية العراقي، ونسي أنّ حب العرب لهذا الحيوان دعاهم إلى أن يتخذوه رمزاً في أمثالهم وأشعارهم ومؤلّفاتهم، فإذا ما نال أحد ما من هذا الحيوان فإنّما هو نيل من تاريخ العرب، وأجزم صادقاً أنّ حديث صولاغ وزير الداخلية العراقي في تصريحه الأخير عن الجمل والبدو إنّما هو محاولة بطريق غير مباشر لنزع العراق - وبخاصة أنّ الشعب العراقي ممن يؤمن بثقافة البادية والجمال - من الأُمّة العربية وتاريخها العريق وتراثها القويم. بعد أن حطّم صدام روحية الانتماء إلى الأُمّة العربية من خلال احتلاله الكويت، لنجد العراق الآن أشبه بمقاطعات تسيطر عليها ميلشيات دول الجوار بمساعدة بعض المسؤولين ومباركتهم هذا العقوق.
إنّ صولاغ يعيد فكرة فارسية قديمة يمثِّلها قول كسرى أنو شروان الفارسي لوفود العرب مع النعمان بن المنذر عندما ذمّ استعمالهم الإبل فردّ عليه النعمان (وأمّا قولك إنّ أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها فما تركوا ما دونها إلاّ احتقاراً له، فعمدوا إلى أجلّها وأفضلها، فكانت مراكبهم وطعامهم ....)، ولشرفها جعلها الله ركائب أهل الجنة يا صولاغ!!
سمعته وهو يفتخر بحضارة بدائية شيِّدت على ظهر الحمير والبغال وكأنّها اكتشفت المخترعات والآلات والتكنولوجيا التي تنعم بها البشرية الآن، ولقد استمرت في بدائيتها حتى ارتمت في أحضان الفرس كولاية من ولايات كسرى أنو شروان متجاهلاً الحق الذي يجب أن يفتخر به وهو نور الإسلام وحضارته الذي بلغ بالعراق مبلغاً عظيماً على يد العباسيين ... حتى سقوطهم على يد الخونة والمرتزقين والعملاء من أمثال ابن العلقمي وتلاميذه المتناسلين حتى هذا الزمن، وها هو يفسح لهم المجال ويغيّب أبناء العراق الشرفاء، وأبناء الماجدات الذين صادرتهم الظروف ولن يعود لمجده إلاّ على أيديهم الطاهرة وحينها سيبعثون الحضارة الإسلامية في العراق من جديد وليس حضارة حمورابي وقوانينه التي ساعد أحفاد ابن العلقمي سالف الذكر في هذا الزمن الطارئين في تحميلها وشحنها إلى متاحف العالم وهم يحسبون أنّهم غير مشحونين إلى مزابل التاريخ ... يا صولاغ .. نعم ركب العرب الإبل والخيل حينما كان الآخرون يركبون الحمير والبغال والفيلة ويمشي أكثرهم على الأقدام، وعبروا على ظهروها إلى مشارق الأرض ومغاربها حينما كان الآخرون مستأجرين في مزرعة لا تتجاوز الأمتار، يخشون الليل ويخافون النهار.
نعم ركبناها حينما كانت هي أفضل الموجودات وركبنا السيارات والطائرات حينما صارت أفضل الموجود بعد أن تغيَّرت المقاييس وجاءت المخترعات الحديثة، ولا نرى ذلك سبّة أو عاراً، فلكلِّ زمان ما يناسبه، بل ّإنّ الجذور الضاربة في عمق التاريخ تملي علينا يا صولاغ أن نكون مهذبين ومتمدنين وحضاريين!!!
صدقاً لقد أشفق العرب على العراق من جديد وهم يستمعون لتصريح وزير الداخلية العراقي جبر صولاغ، ليثبت أنّ هذا الأسلوب الساقط لا يمكن أن يجتث مادام أنّه يخلد في قرار تلك النفس الشريرة مهما حاول العالم ترميم الشروخ في جدار الإنسان العراقي الذي يبحث عن الاستقرار منذ زمن بعيد، ما هذا الأسلوب الفج، وما تلك العبارات التي لا تليق بسياسي غير قادر على ضبط أعصابه، فجاء على لسانه ما يتنّزه عن ذكره أي مخلوق فضلاً عن مسؤول، لقد أحرج هذا المسخ وزير الخارجية العراقي في موقعه بين ممثلي الدول العربية في جدة، فاعتذر لمن اجتمعوا عن حماقة صولاغ عندما حاول الإساءة للعراق بدفاعه عن إيران وتدخُّلاتها في الشأن العراقي التي لم تعد سراً على العالم أجمع، ولا ألوم هذا الوزير في بذاءة لسانه نتيجة ثقافته وقلة تربيته لأنّه تناسى أيضاً إقامته في سوريا وما قدمه الأشقاء فيها له حينما كان مطروداً من العراق فصبّ هجومه عليهم محرضاً ومتطاولاً على من هو تلميذ في مدارسهم السياسية، وكأنّ شيئاً لم يكن، نعم لقد تناسى أنّه كان يقيم في سوريا، ويضع في مكتبه خزانة نقود، حين يشتد النقاش حول بعض الأمور التي تخص العراق ومن يقف معه في مسعاه لبيع العراق إلى المحتل، يشير صولاغ إلى الخزانة الحديدية ليقول (بهذا (يقصد المال الموجود في الخزانة) نشتري ضمائر الناس ونحوِّلهم إلى كلاب في خدمتنا)، فالشرفاء لا يبيعون ترابهم بأيِّ ثمن وتحت أيّ ظروف، متجاهلاً أيضاً أنّ السياسة الميكافيلية فاشلة لأنّها تخلو من المبادئ وضبط الأعصاب والقدرة على النقاش والحوار في أشد المواقف توهُّجاً، ومحاولة كسب الأطراف وتضييق الخناق على كلِّ ما يثير الفتنة والاختلاف، ولكن قدر العراق المؤلم أنّه ابتلي من قديم بثقافة ألسنة الشوارع وأطفال السياسة الذين يعيشون في أبراج عاجية لا تؤمن بمعطيات الواقع ولا تعرف ماذا يجري في الخارج .. يا صولاغ من حقنا أن نخاف على العراق، لأنّه عراق العروبة، ومن حقنا أن نهتم بهذا الجزء حيث إنّه البوابة الشرقية للوطن العربي، ولا يمكن لأيِّ دستور موضوع أن يستل العراق من وطنه العربي الكبير تحت أيّ مسوغ أيديولوجي، وكان حقاً على من هو مثلك في هذه الظروف أن يرتمي في حضن الأُمّة العربية ويشحذ عطفها وأمومتها كي يخرج هذا العراق من مأزق البركان الثائر، والطامة الكبرى التي لا يغفرها التاريخ طمس الهوية الوطنية لهذا البلد العضو في جامعة الدول العربية ممن تولّى المسؤولية ليكون ولاؤه إلى غير العراق، فقد أفادت مصادر أنّه كلّف الدائرة المعنية بإصدار وثيقة شهادة الجنسية التي تمنح للأفراد من الأصول العراقية وتكون دليل إثبات على عراقيتهم أن يهيئوا ثلاثة ملايين نسخة مختومة وكاملة ولا تحتاج سوى إدخال الاسم وتثبيت الصورة الشخصية لطائفة جديدة من الإيرانيين الذين سيتم إدخالهم إلى العراق خوفاً من أن يخرج الطارئون من العراق بشكل سريع ويكلّفوا بمهمة حماية العملاء في حالة محاولتهم البقاء في العراق وعدم الهرب مع المحتلين، ولذلك يُعَدُّ هذا الدعي بهويته الحقيقية التي فضحها الكاتب الكبير سمير عبيد في أكثر من مقال مسؤولاً أمام الشعوب العربية عن طمس الهوية العراقية من خلال فتح الحدود أمام المواطنين الإيرانيين بهدف تغيير الواقع السكاني للعراق، بل أقدم على إطلاق سراح المئات من السجناء الإيرانيين، المحكومين بمدد مختلفة نتيجة ارتكابهم جرائم مثل تهريب مخدرات وأسلحة، والقيام بنشاطات تخريبية وتجسسية تمس أمن ووحدة وحرية الشعب العراقي، دون الرجوع إلى أخذ موافقة الرئاسة، ودون الرجوع إلى المجلس التشريعي لاستصدار قانون بهذا الخصوص، في ظل السياسة الطائفية التي يتعرّض لها الشعب العراقي في مدنه الجنوبية، على أيادي المليشيات، قوات بدر وجيش المهدي، والتدخُّل الإيراني السافر في الشأن العراقي .. يتحدّث صولاغ عن التدخُّل في الشؤون الداخلية للعراق من قِبل دول الجوار ونسي أنّه استل العراق وحضارته من أُمّته وقذف به في أحضان أخرى غير عربية برعاية المرتزقة والأفاكين، ولذلك لا نعجب من ازدياد عدد الملثمين من قوات بدر وجيش المهدي، التي تجوب الشوارع والساحات، حتى أصبح القتل يجري علناً من قِبل هذه المليشيات التي تلبس الزي الرسمي، ودون مساءلة، لتعطي صورة دقيقة للإرهاب الطائفي الفاقد كلّ القيم، الذي يساهم في قتل الناس وتجويعهم على الهوية أيضاً، بحرمانهم من وظائفهم، ومصادرة ممتلكاتهم واغتصابها ليستولي عليها أزلام الطائفية ..، وكان الأولى ألاّ يشير إلى المواطنين الشيعة في السعودية لأنّهم في ظل حماية النظام من أيِّ خرق لحقوقهم الإنسانية، وهم متفاهمون مع الطوائف الأخرى في حين أنّ بلاداً أخرى ممن يدافع عنها صولاغ يعاني فيها أهل السنّة بعدما اخترقت حقوقهم الدينية والإنسانية.
إنّ هذه السفسطة البذيئة والهرطقة الساقطة تدلُّ على الفشل الذريع لوزير نسي منصبه ومسمّاه فظن أنّه وزير للخارجية، مؤكداً فشله في وزارته التي ترعى الخلاف والطائفية، ولا أدلّ على ذلك من اختلاف الشيعة والسنّة في صيام أول أيام رمضان، بل إنّ وزير الخارجية يعتذر عن فحشه وهو مكابر ومزايد في صورة لا يمكن أن توصف خارج نطاق سوء التربية الشخصية ابتداءً، وكان الأولى بهذا الوزير أن يعمل على جمع كلمة المسلمين، توحيد الطوائف والسعي إلى وأد كلِّ ما يثير الفتن والقلاقل في وطن يريد أن يتعافى، وأول مرحلة في العلاج أن يتخلّى عن لغة الشتم وثقافة السب التي لا تتناسب مع حضارة العراق التي يفتخر بها أنّها علّمت الناس القراءة والكتابة وليتها علّمته قبل ذلك حسن الخلق ومبادئ الأدب تجاه عربي خائف على تقسيم العراق وتحويله على يد الطائفية إلى وطن ممزق .... وحينها لا ينفع الترقيع لأنّ الخرق قد اتسع على الراقع، والله من وراء القصد.

الإمارات العربية المتحدة

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved