Sunday 2nd October,200512057العددالأحد 28 ,شعبان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "اليوم الوطني"

صباح المجد يا وطن الحبصباح المجد يا وطن الحب
مالك ناصر درار / جدة

* قبل الملك عبدالعزيز.. وقبل انتصاراته الأسطورية بدءا باستعادة الرياض العاصمة.. ومرورا بتحرير نجد وضم الحجاز.. في زمن عبث الجهل.. والفقر.. والغزوات.. زمن الشرور المتطايرة من كل جانب عند المجتمعات المتخلفة.. لم يكن هناك صفة حياة تستحق التسجيل كنواة للنمو.. إلا اللهم نزعة البقاء على قيد الحياة.. وقطعا لم يكن هناك دروب تسمح بتوالد مؤثرات النمو الطبيعية.. كما نعرفها الآن.
* هذه صورة مقتضبة عن سمات الوطن الذي لم يكن بإمكانه أن يحيا من قبل وسط النكبات والفرقة.. والجهل والتخلف الذي أعاد المجتمع إلى جاهليته الأولى مجتمعا بدويا ممزقا يعيش على الرعي والارتحال الدائم.. كما يعيش على الغزو والسلب والنهب.
* وقائع حياة قاتمة يصعب علينا استيعابها دون شيء من الخيال المر.. حياة عاشها أجدادنا ومن قبلهم نقرأ عنها في الكتب ومذكرات الرحالة الأجانب.. وندرس بعضا منها بالمدارس.. ونرددها في مجالس المعرفة.
***
ولكن لا أحد بإمكانه أن يعايش تلك التجربة القاسية ولو ذهنيا دون أن تتملكه رغبة ملحة في تتبع قدرة الملك عبدالعزيز الأسطورية في محو تلك الصور المتخلفة وفي مدة زمنية ساحقة.
الأمن.. من كان يعرف الإحساس؟
منذ سنوات مضت.. وعلى مقاعد الدراسة في إحدى المدارس كنا نمضي زمنا يتخلله كثير من المعلومات عن تاريخ الملك عبدالعزيز.. وقوته المستمدة من إيمانه العميق وشجاعته المطلقة وولاء رجاله الذين آمنوا برسالة هذا الرجل الإنسانية في توحيد وطنه والعودة بالإسلام مرة أخرى إلى منابع معرفته ومنارته.. ولكن رغم التاريخ المقروء والإحساس الوجداني بالانتماء تبقى هناك فواصل معسرة لقراءة أخرى.. لإنجازات وآثار قديمة بحكم الزمن الذي مضى.. رائعة في استمراريتها.. في مدلولها الحاضر لنا ولأطفالنا.. لليوم.. وللغد.. للحياة التي نعيشها الآن ذات الوقع الهادئ والطيب.. الأرضية المطمئنة التي منحها الملك عبدالعزيز لأبنائه ليستمروا على نفس النهج الإسلامي.. وليدير بتوقعات الآخرين المغرضة عبر السنين وعبر نزوات غضبهم.. لنصل الآن إلى ما نحن عليه من طمأنينة.. حلم غال يبحث عنه عالم اليوم المتحضر ولا يعرف كيف يصل إليه.
* إن العودة بتواريخ الخطوات المرحلية التي سبقت زمن توحيد الوطن قد لا تضيف كثيرا لنا؛ لأن أغلبنا يعرف الأشواك والصراعات التي ولجها الملك عبدالعزيز.. ولكن الذي ما زال يبهرنا إلى الآن هو قدرة هذا الرجل الفذ على تخطي أعظم تحد إنساني واجهه في ذلك الزمن.. دون معونة من أحد إلا بتوفيق من الله ثم بعض من رجاله القليلين.
الجهل الذي كان يسود العقول.
والحروب التي كانت تهيمن.. حتى على حس الطفل (حماية وتحضيرا أمام الصعاب المقبلة).. وقمة المستحيل حين ينعدم استقرار أكثرية الناس لتقيدهم بالرعي والارتحال.. والمنازعات في شبه وطن يغمره الفقر الذي كان حتميا يلازم كل هذه الآفات..
***
مبدأ واضح يجب أن نعيه دون الرجوع إلى أية أرقام أو برامج حسابية يؤكد في عمر المجتمعات النامية (وليس مجتمعا متخلفا بالضرورة) أن كثيرا من سكن النفس والشعور بالطمأنينة يتولد من خلال التعلم بالمشاهدة.. أو التعلم الاجتماعي حين يغلب دور الخير والقيم البناءة.. ولا ننسى عندما نذكر السكينة.. أو الأمان بأننا نتكلم عن أعظم إفراز للطاقة الإنسانية..
وذاكرة تقول أن الملك عبدالعزيز وصل بوطن مشتت حديث العهد إلى هذه الثمرات في غضون أعوام قليلة ودون فرض تجربة زمنية طويلة أو سفك دماء.. هذا هو الحلم الذي ما زال قائما.. رسالة الوطن المسلم.. المثال الذي يبدو صعبا للآخرين.
قائمة البدايات للتأسيس لا تتوقف.. فمن الجهاد المتواصل.. إلى توحيد الوطن كان هناك فواصل شاسعة في بنيان الإنسان النفسي..
الارتباط بالأرض.. بدلا من الترحال..
الاتجاه إلى الزراعة والاستفادة منها معيشيا بدلا من جهد الغزوات وما تذرفه من دماء وتدمير..
في طريقه إلى تجميع حلمه كان على عبدالعزيز أن يتخطى صعابا داخلية (ذات بُعد اجتماعي) متعددة.. تفرق القبائل.. وانتشار الجهل الديني والإنساني.. كلها تعطل من مشاريع التوطين والإقعاد التي كان يدعو لها.. لذا فبدعوته لهم بالعودة إلى الدين نعي كم هي ثمينة البادرة في زرع أولى بذور الوحدة بين القبائل المختلفة التي كان يسودها الجهل ويغلب على حياتها الفوضى..
كان الهدف واضحا لعبقرية فكر الملك عبدالعزيز الذي كان دائما يلوذ بإيمانه ويتمنى أن يؤلف الإيمان والمحبة بين أفراد وطنه بحبال متينة من الروابط..
هذا حدث.. وتكونت أسس وحدة قومية أساسها الشريعة السمحة وإقامة حدود الله.. فعمل على نشر العلم والمعرفة الدينية وأحكام الشريعة.. ومن مجموعات المعلمين وطلاب العلم برز العلماء الذين كان لهم مكانة التقدير والاحترام لدى الملك عبدالعزيز.. وهو الذي اتخذ الكتاب والسنة مصدر التشريع الأساسي للدولة ومنهج التوجه الحضاري للوطن العصري الذي ينشده..
***
إذن تحقيق الوحدة الحقيقية لم يأت عن طريق الشعار والهتاف.. وإنما كان إفرازا إنسانيا طبيعيا بعد أن عاد الملك عبدالعزيز بتعاليم الدين والتمسك بحدود الله إلى وطنه المولود.. ليصبح الإسلام منهاجا منظما للحياة والحكم وليؤدي هذا بدوره إلى تعميق روابط الأفراد عندما يعم الإسلام وتبرز أخلاقيات أنظمته.
***
سؤال: هل تروض نزعات الإنسان البدائية بهذه السهولة؟
جواب: ليس في كل الأحوال.. لذا تبدو عبقرية مؤسس هذه الدولة..
الآن يستمر توالد الطاقة الإنسانية المثمرة التي بدأها الملك عبدالعزيز لتتوالى أحاسيس الاطمئنان في تدفق مستمر.. يلازم مسيرة البناء ويدفعها.. وعندما يأتي مليكه فهد.. راعي النهضة الحضارية وخادم الحرمين الشريفين وجها خيرا يضفي على مكتسبات وطنه مزيدا من الرفاهية والاستقرار.. مزيدا من اليقين بعظمه ديننا الحنيف.. مثالا فريدا من القوة الخيّرة.. نستعيد معها سمات أكرم وأكفأ الرجال من الخلفاء الراشدين فنذكره في تواضعه وأخلاقياته المسلمة.. بحرصه على المواطن والمقيم.. برعايته المستمرة.. بدرعه الحامي عندما واجهتنا أسلحة ونوايا الاعتداء وتصميمه المطلق على الطريق السوي.. نعي بأن الله قد خص هذا الوطن بأعظم رعاية.. وأعظم راية للإنسانية جمعاء.. وأكرم موقع لقلوب المسلمين.
ويأتي إلينا يوم الوطن.. كما عرفناه من قبل يوما مذكرا يجدنا فيه ننعم برفاهية المعيشة.. واستقرار الأمن وسكينة النفس.. وقبلها تواجهنا نظرات العالم بإعجاب متأمل.. يعلنون فيه:
انتم أحرار في وطنكم..
أنتم مرفهون..
أنتم لا تعانون من سطوة الجرائم..
أنتم هانئون..
***
ونود أن نقول إننا مسلمون.. نخاف الحرام.. وننهى عن المنكر.. وإن حاورناهم من باب علمي سنقول أن الإنسان في هذا الوطن.. قبل آبار البترول والنهضة الشاملة.. عرف ما هو أهم.. عرف سكينة النفس المطمئنة، كما تعرف على مشوار التفرغ من القلق والخوف لينمو ويتحضر.. وأن الرفاهية لم تؤثر على تلك الهوية التي جاء بها مؤسس هذا الوطن وحمل أمانتها أبناؤه من بعده.. لأنها ظاهرة مرتبطة بروح الإسلام الحقة وأمانة تطبيقها.. والله من وراء القصد.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved