كنت قد تناولت في مقالتين سابقتين في جريدة الجزيرة الغراء أعلام آل سعود في الوثائق، وكلما خرجت وثيقة أخذ الأستاذ عبد الرحمن الرويشد بالتعليق والتفنيد ثم التشكيك، بحجة أن فتح مثل هذا الباب قد يوقع في إشكال كبير، كما افادني بذلك مشافهة، ثم بالتشكيك وحصر الدقة والصحة فيما يذكر في المصادر الموثوقة، فلما كانت هذه المصادر هي الوثائق، وهي تقريباً من أدق ما يعتمد عليه الباحث في عصرنا الحاضر، خاصة عندما تكون هذه الوثيقة صادقة وخالصة، وليس المقصود منها أي أمر آخر عدا تقرير واقع ملموس، فما شكك فيه الأستاذ الرويشد عندما قال: إن رسالة الملك عبد العزيز إلى مشاري بن عبد الرحمن كان الخطأ فيها من الكاتب، حيث أبدل اسم المرسل إليه وخلط فيه بين علمين، فقلنا لعل هذا مقبول في حينه حتى يخرج لنا ما يؤكده أو ينفيه، ثم شكك فيما بعد في الأعلام الواردة في الوثيقة التي كتبت عنها بعد ذلك بمدة والخاصة بخالد بن سعود حين قال: إن الأعلام الواردة قد تكون غير حقيقية أو أنها تحتاج إلى تحقق وتأكد بحجة عدم معرفته لهذه الأسماء في مصادر أخرى، هذا جانب، وجانب آخر هو عدم تفضيله أخذ الأعلام والشخصيات من الوثائق، وإنما المعتمد عنده الرواية والاستفاضة، فقلنا لعل هذا منهجه وإن كنت لا أوافقه عليه، وإنما هو اجتهاد توصل إليه. ثم وقع بين يدي مصدر من المصادر اليمنية التي تناولت تاريخ الدولة السعودية، والدعوة بشيء من التفصيل، بل تكاد تكون المادة فيه عن الدولة السعودية كبيرة لدرجة أنها لو جمعت تصبح كتيباً صغيراً أسعى مع أحد الإخوة الأساتذة إلى إخراجه بشكل معلق عليه ومصححة غالب المعلومات التي أخطأ فيها مؤلفه. وهذا الكتاب هو (درر نحور الحور العين)، للطف الله جحاف، الذي حقق مرتين في مدة وجيزة، وعلى يد اثنين من الباحثين أولاها رسالة علمية، تم طبع أخراها عن طريق الأستاذ المقحفي عن طريق وزارة الثقافة اليمنية، ومحقق الأولى يعمل الآن على تقديم أطروحة الدكتوراة في جامعة دمشق عنوانها: العلاقات الثقافية بين الدولة السعودية واليمن في ضوء المصادر اليمنية فيما بلغني. جاءت في هذا الكتاب بعض المعلومات المهمة والمتلعقة ببعض أبناء الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وأبناء أبنائه، وقد استقاها المؤلف من مندوبين نجديين كان قد بعثهما الإمام عبد العزيز، للإمام المنصور اليمني، حيث أخبراه عن حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه، وغير ذلك، ثم كتب له أحدهم وهو الشيخ عبد الله بن المبارك الأحسائي عندما عاد إلى نجد بأسماء أبناء الإمام عبد العزيز. ومنه يتبين أن هناك بعض المعلومات ترد لأول مرة هنا مثل من هم الإخوة الأشقاء وغيرهم، إضافة إلى أسماء البنات وعددهن، ومن عرف منهن، حيث يتبين أن المصادر التي تناولت أسرة آل سعود لا تذكر على سبيل المثال بعض الأسماء، فقد سقط مثلاً اسم محمد بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، وكذلك أسماء بنات الإمام عبد العزيز، حيث ذكر أن عددهن 5 بنات، وذكر اسم اثنتين منهن، كما أضاف أن عمر وعبد العزيز أمهما إحدى بنات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهذا خطأ فيما يظهر وقع فيه المؤلف أو تصحيف حيث إن أخا عمر هو عبد الرحمن، أما عبد العزيز فوالدهما، كما قدم هذا المصدر بناء على رسالة من عبد الله بن المبارك الأحسائي، أن مولد الإمام سعود هو عام 1163هـ، وليس 1161هـ، كما هو في مصادرنا النجدية، كما قدم معلومات مهمة عن الإمام عبد الله بن سعود، ووصفه بأنه المترشح للخلافة بعد أبيه، والغالب عليه محبة العلماء وأهل الصلاح، ثم عدد من أبناء الإمام سعود: تركي، ومشاري، وفيصل، وناصر، وإبراهيم، وفهد، وسعد، وعبد الرحمن، وعمر، واصفاً واحدا منهم، ثم يذكر من إخوة الإمام سعود: عبد الله، ومحمد، وأنهما شقيقان، وعمر وعبد العزيز، مع أن الصحيح كما أسلفنا عبد الرحمن، وأمهما واحدة وهي بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم ينقل عن مصدر حجازي ويقول: إن عدد بناته 5 بنات لا يعرف من أسمائهن إلا اثنتين. وإضافة إلى ما سبق نجد أن هناك معلومات جديدة لم يسبق أن ذكرها من تعرض لشجرة آل سعود، مثل محمد بن عبد العزيز، وكذلك عدد بنات الإمام عبد العزيز حيث لم أجد من ذكرهن في أي من المصادر المحلية. كما أفاد المؤلف لطف الله جحاف أن لعبد الله بن محمد بن سعود، أخا الامام عبد العزيز اثنا عشر ولداً، أكبرهم اسمه شجاع، وهذا لم أجده في المصادر المحلية، إذ تذكر مصادرنا المحلية أن لعبد الله فقط خمسة أبناء أكبرهم سعود، ثم محمد، ثم زيد، ثم إبراهيم، ثم تركي، والأخير كما هو معلوم هو جد الملك عبد العزيز، ومؤسس الدولة السعودية الثانية، رحمهم الله جميعاً سلفهم وخلفهم ونحن معهم. وبهذا فإن هذا الكتاب يقدم معلومات جديدة لا يجب أن نقف أمامها بالتكذيب أو التشكيك لمجرد أنها غير معلومة لنا حالياً، فهذا المنهج ليس علمياً، فقد تعرضت مقالتاي السابقتان إلى التشكيك وعدم التصديق بهما بمجرد عدم العلم بها أو أنها ليست في مصادرنا المحلية، لهذا أدعو الأستاذ عبد الرحمن الرويشد إلى التريث والقراءة المتأنية لما أنشره، إذ إن اعتمادي على مصادر وثائقية مكتوبة ومشهورة لا يرقى إليها الشك حتى يظهر ما يقارعها الحجة بالحجة، لأن النفي بهذا المنطق لا يفيد البحث العلمي في شيء. كما أنه قد يجعل الباحث يحجم عن النشر عندما يكون هكذا رد المعنيين بهذا الشيء المراد دعمه لا نفيه وإقصاؤه. لهذا أدعو إلى أن الحصول على مثل هذه المعلومات يجب أن يعتنى به إما في وحدة الأسرة في دارة الملك عبد العزيز الذي يفترض بها أن تكون مشاركة في هذا الطرح، وتقدم ما عندها من رؤية لمثله أو مجلس العائلة الذي ينتظر منه الكثير بشأن تسجيل كل ما يتعلق بالأسرة الكريمة قديماً وحديثاً. ولعلي قبل أن أختم بمقترح أن أقول: إن كتاب (درر نحور الحور العين) أيضاً يقدم لنا معلومات مهمة لا تقل عما سبق عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأسماء أبنائه وبناته، كما أنه يذكر رحلاته فيضيف إلى أنه رحل إلى دمشق، مع أن هذه الرحلة لم تثبت حتى الآن في المصادر النجدية، ولما كان مصدر المعلومة اثنين من طلاب الشيخ محمد، فأعتقد أنها إضافة مهمة يجب الالتفات إليها والأخذ بها. أما المقترح الذي أقدمه بهذا الخصوص فهو سبق أن اطلعت على نظام الأسرة العثمانية الذي نشر مترجماً في عدد جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 25-2- 1922م، ووجدت أنه نظام جيد يقدم فيه معده عدداً من النقاط المهمة، فآمل أن ينظر فيه، ويعمل بفحواه، وهي جملة من النقاط الجديرة بالاهتمام متضمنة الرصد لكل أفراد الأسرة من تاريخ مولد وتعلم وتقلد مناصب، إضافة إلى ذكر اسم الأم وعائلتها وغيرها من النقاط، على أن يكون ضمن قاعدة بيانات تحدث كل نصف سنة، أو على الأكثر سنوياً.
|