سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة - رعاه الله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. آمل منكم التكرم بنشر تعقيبي هذا على مقال الكاتب:( محمد آل الشيخ) المنشور في العدد: (12036) تحت عنوان:( قليلٌ من العقل أيها السادة) ولكم مني جزيل الشكر. ابتدأ الكاتب مقاله بمقدمة جميلة، يبدو أنها صارت (موضة) عند كثيرٍ من الكتّاب في هذا الوقت!.. فهم يقدمون بها لكي يعطوا انطباعاً لدى القارئ أنهم ملتزمون بها، مراعون لضوابطها، ولكنهم لا يلبثون أن يعودوا ليناقضوها أشد المناقضة!، ويتبرؤوا منها بما يقولونه من كلمات، بينها وبين مقدمتهم كما بين السماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع!!.. يقول الكاتب في بداية مقاله: ( من حق أي إنسانٍ أن يكون له موقف ما تجاه أي قضية، ومن حقه أيضاً أن يرى الأمور من الزاوية التي تتناسب مع قناعاته، ولكن أن يلوي المرء أعناق الحقائق، أو يُضخم الأمور ويجعل من الحبة قبة، أو أن ينطلق في دفاعه عن قناعاته من معلومات مغلوطة، أو من قراءة خاطئة للأمور، ثم يطلب من الناس أن يصدقوه، فهذا ما نرفضه من حيث المبدأ). وسوف يلحظ القارئ الكريم مناقضة الكاتب لهذه المقدمة بعد قليل، ولكني أتوقف هنا متسائلاً: ما الذي دعا الكاتب للعجلة في الحكم على الطرف الآخر، فوصفه بأنه:( يلوي المرء أعناق الحقائق، أو يُضخم الأمور ويجعل من الحبة قبة، أو أن ينطلق في دفاعه عن قناعاته من معلومات مغلوطة، أو من قراءة خاطئة للأمور، ثم يطلب من الناس أن يصدقوه. أليس من حق القارئ أن يطلعه الكاتب على ما قاله الطرف الآخر، ثم يحكم بما شاء بعدئذ؟؟!! أليس في الحكم المسبق محاولة للسيطرة على عقل القارئ منذ البداية؟!!.. بلى!.. ولو كان الكاتب واثقاً مما يقول، لقام بطرح وجهتي النظر بكل حيادية، وترك الحكم للقارئ بعد ذلك.. ومع ذلك فإننا نثق في قراء الجريدة الكرام الذين لن يتنازلوا عن التفكير بعقولهم، ليفكروا بعقول غيرهم!.. يقول الكاتب: (إعصار (كاترينا) كان بالفعل كارثة إنسانية كبيرة).. وأنا هنا أتوقف لأقول: إذا كان الكاتب قد وصف (كاترينا) بأنه (كارثة إنسانية كبرى) وهذا من حقه بلا شك - فماذا سيقول عن كارثة (النيجر) البلد المسلم، الذي يعيش في هذه الأيام على شفا هاوية بادية لكل ذي عينين؟!! (كاترينا) كان من نتائجه ضحايا يقدرون بعشرات الآلاف.. ومأساة (النيجر) سيكون من نتائجها - إن لم يتم تدارك الأمر - ضحايا يقدرون بالملايين - كما صرح بذلك:( الركبان) المندوب الخاص للأمم المتحدة-. فأيهما أولى بالدفاع والدعوة للغوث والنجدة والمساعدة أيها الكاتب؟!!.. لماذا سارعت بالحديث عن كارثة (كاترينا)، ووصفتها بالكارثة الإنسانية، بينما لم تنبس بحرف واحد عن تلك الكارثة الحقيقية الكبرى: كارثة (النيجر)؟؟؟.. أليس المسلمون أولى بالمعروف من غيرهم؟!! أنا لا أدري ما هو مفهوم مصطلح (الكارثة الإنسانية) عند الكاتب؟!.. لا أدري والله!.. ولقد صدق من قال:( عش رجباً ترى عجباً)..!! يقول الكاتب: ( القول إن هذا الإعصار (بداية) انهيار الولايات المتحدة الأمريكية، فهذا ضربٌ من ضروب (التفكير الرغبوي) إذا لم أقل: التفاهة والسذاجة ومحدودية الرؤية في فهم الظواهر الحضارية). ويقول الكاتب:( وهذا يدل على أن بعض كتّابنا، ناهيك عمن يُصنَفون على أنهم طلبة علم ديني، ممن تباشروا بهذه الكارثة، وتبادلوا التهاني بحدوثها، ولا يستحقون حتى الشهادة الابتدائية التي يحملونها، فضلاً عن الشهادات الأكاديمية العليا التي (يُزخرف) بعضهم أسماءهم بها!! حسناً!.. أين ما قلته في بداية كلامك من أن كل إنسان من حقه أن يكون له (موقف ما تجاه أي قضية، ومن حقه أيضاً أن يرى الأمور من الزاوية التي تتناسب مع قناعاته)؟؟ ألا يعد هذا تناقضاً منك؟!! ثم ما هذا الأسلوب في التعامل مع من لا يوافق رأيك: (ولا يستحقون حتى الشهادة الابتدائية التي يحملونها، فضلاً عن الشهادات الأكاديمية العليا التي (يُزخرف) بعضهم أسماءهم بها)؟!! هكذا وبكل بساطة؟!!! ثم يقول الكاتب: (للشخص الجاهل البسيط والساذج أن يقول في أمريكا ما يشاء، ويبقى قوله في المحصلة مجرد رؤية إنسان بسيط لا أكثر، ولكن أن تطرح نفسك وقلمك من منطلق أنك (عالم) لا يشق لقلمك وعلمك غبار، ثم تتناول هذه الظاهرة من زاوية (عاطفية) ديماغوجية، وبهذا القدر من التزييف والمغالطة، فإن الأمر ينتقل هنا من العاطفة أو قل: من (حديث) البسطاء، إلى (العلم) والعلم هنا يحتاج إلى مقدمات، ومعلومات، وروابط، لتصل إلى النتائج، ضمن آلية ذات نسق وسياق علمي مترابط سليم). وأنا أقول: هل أفهم من كلامك أنك تريد من العلماء أن يقبعوا في منازلهم، وأن يلجموا أقلامهم؟!! أهذه هي الحرية التي تنادي بها ومن يقول بمقالك؟!! حسناً: ما رأيك أيها الكاتب لو قال هذا الكلام أحد من الناس في حقك؟!! ألن تثور ثائرتك؟!! أرجو أن تتعامل الناس كما تحب أن يعاملوك.. مثلاً بمثل.. وسواءً بسواء. ثم يقول الكاتب بعد أن أخذ يكيل لأمريكا المديح تلو المديح، واصفاً إياها بصفات ليست حكراً عليها، بل تشاركها فيها كثير من الدول: (ولك أن تتصور كيف ستكون حياة إخواننا (الفرحين) بكارثة كاترينا، لو افترضنا جدلاً أن الولايات المتحدة، قررت - مثلاً - منع منجزاتها (الحضارية) من الوصول إلينا، عقاباً لنا على كل هذه (البغضاء والكراهية) غير المبررة، التي يُبديها بعض مثقفينا على استحياء، ويجهر بها البعض الآخر بغباء وحماقة وصفاقة على رؤوس الأشهاد؟.. كيف- بالله عليكم - سيكون وضعنا الحضاري والتنموي، بل والحياتي، في كافة المجالات؟). أقول وبكل بساطة: إن منعت عنا ذلك، ففي غيرها من الدول غنية عنها!.. ولن تزول الدنيا بزوال منجزاتها (الحضارية) - كما تقول - !.. هذا مع أنه واضح لدى كل محدود الاطلاع بأنها لن تفكر بذلك، وذلك بسبب ما حبانا الله به من ثروات في بلادنا، والتي لا غنى لها عنها. فلتقر عيناً.. ولتهدأ بالاً أيها الكاتب!.. وفق الله الجميع لهداه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماجد بن محمد العسكر - الخرج |