القضايا الأخلاقية التي تتفجر في وجوهنا مرة بعد مرة تنمُّ عن غياب واضح لأسس التربية والفضيلة التي ظنَّ الكثير منا أننا وكلاؤها الحصريون حين تناوب هؤلاء الحرَّاس على نصح المرأة وتذكيرها بالشرف الذي هو فطرة المرأة المسلمة وليس في حاجة إلى التذكير، ويتناسى هذا البعض التشديد على مسألة اشتراك هذه القيم مع الرجل الذي هو أيضاً مُلزَم بالأخلاق والفضيلة والعار أيضاً! الإرهاب الأخلاقي والابتزاز الواضح لأي فتاة عابرة بات احتمالاً وارداً لأي فتاة حين يصبح اختطاف شرفها ممكناً بمجرد عبورها طريقاً عاماً من قِبل بعض الشباب الفارِّين من أنفسهم والتائهين فعلاً؛ لتصبح التكنولوجيا التي وظَّفها العلم لابتكارات عصرية خادماً مطيعاً لأمراضهم، وناقلاً لمثل هذه الأوبئة النفسية التي ثبت أنها بسبب تكرارها مؤشِّر خطير لأزمة أخلاق شارك في استفحالها المجتمع بأكمله. وليس أدلَّ على ذلك من المقطع الذي تناقلته مواقع إلكترونية مؤخراً ويصور بكل بجاحة اختراق أربعة ذئاب ضالين طريق الحياة السوي لفتاتين وتحرّشهم بهما، كان أحدهم يدفع زميله بعبارات تأييد وكأنه يشجع فريقاً رياضياً بحماس، وهي اللغة التي يجيدها عموم الشباب هنا؛ لانحسار الثقافة العامة وانكماشها، وكان من ضمن عبارات التشجيع حين قال: (مسوية نفسها شريفة)! لو كانت هاتان الفتاتان شريفتين بنظرة الشرف الخاصة بهؤلاء الشباب هل كانتا ستسلمان فعلاً مما تعرَّضتا له؟ وهل كان سيُطلق سراح عرضهما وحقهما في عبور الطريق الذي يفترض أن يكون آمناً؟ وماذا يمكن أن يوحي به طريق عام إذا كانت الفتيات مجرد قامات سوداء مطموسة؟ وإذا كان الشرف نصاً مرناً يسرح به ويعبر مَن تربّوا عليه من جانب واحد؟ ولماذا يتذكر مثل هؤلاء مسألة الشرف في تلك اللحظة التي اخترقت حياءنا جميعاً؟ لقد تربَّت الفتيات هنا على صورة الذئب، وخُيِّل إليها أن الرجال جميعهم ذئاب كما تنص الرواية الاجتماعية والخطاب الوعظي عن الذئاب البشرية. وأظن أن كثيراً من الفتيات تعلم جيداً ماذا يعني الذئب البشري إن هي أرادت أن تقضي أي مسألة في الحياة بمجرد اختراقها طريقاً عاماً أو مجمعاً كبيراً، لكن الذئاب أنفسهم الذين غرسوا صورتهم في مخيلتنا لم يجدوا مَن يروِّضهم، وخُيِّل إليهم أن الذئب في النهاية بطل؛ لأنه هو الذي يأكل الفريسة ولا يؤكل. وبهذا فلن يقبلوا أي أدوار أخرى ما دامت الثقافة الاجتماعية قد صوَّرت القصة من جانب تصنيفي كبطل وفريسة. وفي النهاية يصبح الكثير رهن هذا الرمز الذي يوحي بأننا نتجه نحو الاتجاه المعاكس، فخطابنا الاجتماعي والإرشادي والديني ينصبُّ على الويلات للمرأة السافرة وطريقة عباءة المرأة ولبسها وحتى مشاركتها في الحياة لكسب عيشها. ونسي هذا التبني للقضية الواهية الجانب الآخر، ولم نسمع بمثل تلك الأشرطة الدينية التي تركز على الويلات والثبور لمن يعتدي على المرأة الضعيفة ولا بمن يشهر بعرضها ويبتزها، كما أُثيرت قضية سابقة لفتاة سُجنت لأنها قتلت مَن ابتزَّ استقرارها. ضِعْنَا جميعاً في ذلك الخطاب، وضاعت بالتالي قضية من أخطر القضايا الاجتماعية والأخلاقية! يجب أن أُشير هنا إلى قانون الأخلاق الذي سنَّته إمارة دبي في دولة الإمارات بأن تتواجد الشرطة في الأماكن العامة، ومَن قُبض عليه معاكساً تُوضع صورته في الصحف مرفقةً باسمه، إلى جانب السجن؛ لذلك تنعدم مثل هذه المسائل، ويعبر الناس الحياة بما قدِّر لهم؛ لأن القضية في النهاية تصل إلى الشرف والسمعة التي نسيها بعض الشباب هنا، وهم واثقون أنه في حال القبض عليهم فإن أسماءهم لا يُنشر منها سوى أحرف فقط لا يلبث أن يداريها الزمن وينساها الناس؛ حتى تأتي مصيبة أخلاقية أخرى!
|