يقول تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)تذكّرت هذه الآية الكريمة وأنا أقرأ عن ظاهرة (الاحتباس الحراري) التي يؤكِّد علماء الطبيعة أنّها من أهم أسباب الأعاصير والكوارث المناخية، التي يبدو أنّها ستكون من أهم ظواهر القرن الواحد والعشرين. ويُعيد هؤلاء العلماء تزايد خطورة هذه الظواهر في الآونة الأخيرة إلى ما يسمُّونه: (ظاهرة الاحتباس الحراري). فما هو الاحتباس الحراري؟ جاء في (ويكبيديا) أو (الموسوعة الحرة) عن هذا المصطلح ما نصه: (الاحتباس الحراري هو في الأصل ظاهرة طبيعية؛ حيث إنّ هناك مجموعة من الغازات بالإضافة إلى بخار الماء موجود في الغلاف الجوي كمكوّنات أساسية، وتركيزها بالغلاف الجوي ضعيف حيث تعمل تلك الغازات على احتفاظ كوكب الأرض بدرجة حرارته، ونتيجة لزيادة انبعاث تلك الغازات، نظراً للنشاطات البشرية المتزايدة منذ بداية العصر الصناعي، زاد ذلك من تأثيرها الحابس للحرارة في الغلاف الجوي، مما أدّى إلى حدوث ظاهرة من أكبر وأخطر الظواهر البيئية السلبية في عصرنا الحالي والتي أطلق عليها ظاهرة (التغيُّرات المناخية). والاحتباس الحراري هو ظاهرة تشبه إلى حد بعيد ما يكون في الدفيئات الزجاجية). انتهى. و(الدفيئات الزجاجية) هي ما تسمى لدينا (البيوت المحمية) الزراعية. هذا يعني أنّ (الإنسان) هو السبب في هذه الظاهرة. أي أنّ الإفراط في تسخير التكنولوجيا لخدمة (الإنسان)، وما ينتج عن ذلك من تفاعلات كيميائية وأدخنة وأبخرة وفضلات، سواء كانت مرئية أو غير مرئية، أدّى بالتالي إلى (خلل) في مكوّنات الغلاف الجوي المحيط بكوكب الأرض؛ الأمر الذي خلق مثل هذه الظواهر المناخية الكارثية، التي انقلبت في النتيجة على (الإنسان) نفسه، ليصبح في المحصلة كالذي عناه الشاعر بقوله: (فيك الخصامُ وأنت الخصمُ والحكم)! هذه هي أقرب التفسيرات العلمية لظاهرة (الأعاصير) المدمِّرة التي نراها تتزايد في العقد الأول من القرن الجديد. غير أنّ بعض السذّج والبسطاء وأرباع المتعلمين لدينا، وبعضهم من حملة شهادات أكاديمية عُليا للأسف، يأبونَ إلاّ أن يوظفوا (بغباء) مثل هذه الكوارث المناخية في مساندة وتجذير فكر (الكراهية والبغضاء) للآخر (المنتصر)، كما تعامل (بعضهم) فرحين مع إعصار (كاترينا) و(ريتا) وكذلك كارثة (تسونامي) بشكل يُثير الخجل والشفقة والضحك معاً. ولأنّ ثقافة (الحفاظ على البيئة) ثقافة القرن كما يقولون. ولأنّنا ثقافياً (منغلقون) بل و(متخلِّفون)، واتصالنا بثقافة الآخر المتفوِّق حضارياً في منتهى الضعف، إن لم أقل شبه معدومة، رغم أنّنا نعيش في عصر ثورة الاتصالات، وبالتالي تقارب المسافات ثقافياً بين أُمم الأرض، تعاملنا مع هذه المظاهر المناخية تماماً مثلما يتعامل الإنسان (الأُمِّي) المعزول والمنغلق عن العلم والثقافة. والسؤال الذي يُثيره هذا السياق: ماذا لو أنّ أحدَ (خطباء) جوامعنا - مثلاً - اعتلى منبره وانتقد (الإدارة) الأمريكية، وشنّ عليها الحملات، وقال فيها ما لم يقله الإمام مالك في الخمر، ولكن من منطلق أنّها لا تحفل ولا تهتم (بالإنسان)، ولا (بالبيئة)، عندما انسحبت من اتفاقيات (بروتوكول كيوتو) الذي يسعى إلى الحفاظ على البيئة والحد من التلوث؛ مثبتة بهذا التصرف (غير المسؤول) إنسانياً أنّها تُؤثر (المصالح) الاقتصادية العاجلة على المثل الإنسانية العليا التي تدّعيها؛ وأنّ ما ألمَّ بها من كوارث، مثل كارثة (كاترينا) و(ريتا)، هو نتيجة لانسحابها من هذه الاتفاقيات، واستهتارها بالأضرار البيئية؛ الأمر الذي أنتج بالتالي هذه الكوارث؛ وها هي اليوم تتجرَّع مرارتها مصداقاً لقوله تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)هنا يُسهمُ هذا (الخطيب) بالفعل في رسالة الإسلام التي أصلها وغايتها (هداية وحماية البشرية)؛ ويُعطي في الوقت ذاته مثالاً حضارياً (للداعية) المسلم المثقف والواعي في مواجهة من يسعى للضرر بالإنسانية، بدلاً من التحريض على الكراهية والبغضاء والحث على العنف كما هو خطاب بعض طلبة العلم لدينا للأسف. ثمّ، ماذا لو أنّ أحدَ (الأعضاء) المحتسبين - مثلاً - في (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تعامل مع (الإضرار) بالبيئة على أنّه من أشدّ (المنكرات) التي يجبُ أن يتصدّى لها (المحتسبون)؛ وقام بحملة دعوية هدفها توعية النشء، وبالذات الشباب منهم، عن مدى خطورة (الإضرار) بالبيئة، وضرب بكارثة (كاترينا) مثلاً حيّاً معاصراً، بدلاً من الانصراف إلى قضايا هامشية خلافية، مثل (ماهية) الحجاب للمرأة المسلمة، وهل المقصود بها (القناع) أم (التحنك) وكشف الوجه؛ تلك القضية التي ما أساء للهيئة أمرٌ مثلما أساء لها (تشدُّدها) في مثل هذه القضايا، التي يعرفُ حتى الأطفال أنّها محل (خلاف) وليست محل (إجماع) بين فقهاء الإسلام. إنّنا بهذه العقلية وهذا البعد وهذه المواكبة، نثبت للجميع أنّنا بقدر ما نحن (سلفيون) في قضايا العقيدة والعبادات، فنحن (معاصرون) ومواكبون ومتحضِّرون في قضايا الحياة وتغيُّراتها، ومنفتحون على الآخر انفتاحاً إيجابياً لا سلبياً، نشاركه في قضاياه الكبرى وفي أتراحه وأفراحه بنفس القدر من تفاعل الإنسان الواعي المتحضِّر. هكذا - أيُّها السادة - نرتقي إلى روح (رسالة الإسلام)، وفي الوقت ذاته إلى مواكبة مفاهيم الحضارة المعاصرة في الجوانب الإنسانية والأخلاقية منها.
|