Tuesday 6th September,200512031العددالثلاثاء 2 ,شعبان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

منوعات أدبيةمنوعات أدبية

بدون مقدِّمات (ولا حاذور ولا دستور) أبدأ فأقول إنّني عندما أعقِّب على مقال أو أصحِّح خطأً أو أعلِّق على قصيدة فأنا لا أحش ولا أشرشح ولا أشرّح (مع أنّ أحبابي في الجزيرة الغراء كتبوا عنواناً (نزار يدخل الشريّف المشرحة الأدبية) ولا أحفّف ولا أنتّف، ومن وجد أنّني أخطأت في التعليق أو التصحيح أو التعقيب فليرني خطئي بالتوثيق وليس بالرأي أو الذاكرة وأنا سأشكره وأعلن خطئي وأرجع عنه وأعتذر منه.
ولقد هاتفني أحد القراء الكرام وخطّأني في نسبة بيت إلى شاعر ولما طلبت منه التوثيق طلب مني أن أبحث أنا لأنّه يعرفه هكذا، لا يا سيدي: المثبت أقوى من النافي والذاكر حجة على الناسي والذي يعرف حجة على من لا يعرف.
وأخرى فقد نَسَبتْ إحدى الكاتبات الكريمات في الجزيرة أبيات شعر مشهورة لشاعر النيل حافظ إبراهيم وهي - الأبيات - للشاعر الفلسطيني النابلسي إبراهيم عبد الفتاح طوقان (أبو جعفر) فهاتفتني بعصبيّة شديدة ولو كنت أمامها لضربتني وتقسم أغلظ الأقسام أنّها زلة لسان وأنّها تعرف أنّ الأبيات لإبراهيم طوقان، ويا سيدتي ما يدريني أنّها زلة لسان ولماذا لم تعقبي على نفسك وتصحِّحي خطأك وتعدلي لسانك فعثرة اللسان أشدّ من عثرة الأقدام:


يموت الفتى من عثرٍ بلسانه
وليس يموت المرء من عَثْرة الرِّجلِ

هل تريدني الأخت الكريمة أن أقرأ ما قصدَتْه لا ما أعلَنَتْه، وكذبة المنبر بلقاء، هل تريدني (أن أشم على ضهر إيدي - على رأي الأفلام المصرية).
يا سادتي أنا ليس بيني وبين أحد خصومة، وقلت إنّني أتعامل مع الكلمة وأناور وأداور ولا أخطّىء ولا أتّهم بل أذكر الصح مقابل الخطأ بدون تعريض ولا غمز ولا لمز ولا همز ولا لطم ولا لكم حتى ولا لثم.
قرأت في عدد سابق من (الجزيرة) مقالاً للأديبة المعروفة كاتبة الجزيرة المستديمة (هدى بنت فهد المعجل) بعنوان (البروفيسورة السعودية (سلوى الهزاع) قالت:
وما صحة تأثير العين في النفس الإنسانية من أبيات جرير:


إنّ العيون التي في طَرْفها حورٌ
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعنَ ذا اللب حتى لا حراك بهِ
وهن أضعف خلق الله (أركانا)

ويا سيدتي أنا لا أعرف إن كان خطأً مطبعياً أو خطأً تصحيحياً أو تسُّرعاً أو سوءَ حفظ أو زلَّة لسان وإنّما هي (إنسانا لا أركانا). وهذه الأبيات من قصيدة جرير بن عبدالله الخَطَفِي أَشْعَرِ شعراء العصر الإسلامي من قصيدة مطلعها:


بان الخليط ولو طاوعت ما بانا
وقطّعتْ من حبال الوصل أقرانا

ومنها البيتان المشهوران:


يا أم عمروٍ جزاك الله مغفرةً
ردي عليّ فؤادي كالذي كانا
ألستِ أكرم من يسعى على قدمٍ
يا أحسنَ الناس كلِّ الناس إنسانا

ولهذين البيتين عندي كلام:
فالبيتان يُغَنَّيان بالأصوات الخليجية الكويتية (سعود الزويد) هكذا:


يا أم عمروٍ جَزاشِ الله مغفرةً
ردي عليّ فؤادي أينما كانا
لا تأخذين فؤادي تلعبين بهِ
وكيف يلعبْ على الإنسان إنسانا

ما علينا فليس على المطرب أن يعرب.
وروى الجاحظ في سخريّته من معلمي الصبية (المدرسين) أنّه رأى معلِّماً مسروراً فسأله عن سبب سروره فأخبره أنّه مسرور بحبيبته ولما سأله من هي وأين شاهدها قال إنّه لا يعرفها ولكنه سمع الشاعر يقول:


يا أم عمروٍ جزاك الله مغفرة
ردي علي فؤادي كالذي كانا
ألست أكرم من يسعى على قدمٍ
يا أحسن الناس كل الناس إنسانا

فأحب أُم عمرو أحسن الناس، ثم وجده (الجاحظ) بعده فترة يبكي فلما سأله عما يبكيه قال إنّ حبيبته ماتت ولما سأله متى وكيف وأين قال إنّه لا يعرف ولكنه سمع الشاعر يقول:


إذا ذهب الحمار بأُم عمروٍ
فلا رجعت ولا رجع الحمارُ

فعلم أنّها ماتت.
والبيت:


إنّ العيون التي في طرفها حورٌ
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

هو أغزل بيت (في عصره طبعاً) وهو لجرير.
وقالوا إنّ أمدح بيت هو قول جرير في مدح أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان - رحمه الله - المؤسس الحقيقي للدولة الأموية .. قال جرير:


ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطونَ راحِ

والاستفهام المنفي هنا يفيد التقرير أي (أنتم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطونَ راحِ) والجواب يكون بالإثبات ب(بلى)، لهذا قال عبدالملك: بلى نحن كذلك، أندى: أكرم، بطون راح - باطن الكلف كناية عن الكرم والعطاء. ومطلع القصيدة:


أتصحو أم فؤادك غير صاحِ
عشيةَ همَّ صحبُك بالرواحِ؟

وهو سوء استهلال فالشاعر يخاطب نفسه عندما سافر صحبه ولكن عبدالملك - وهو الناقد البصير - أراد أن ينبِّهه فقال له: بل فؤادك أنت، قالوا وبقي عبدالملك عابساً حتى قرأ جرير البيت السابق. (ألستم ...)
ومن سوء الاستهلال قول الشاعر لهشام بن عبدالملك أمير المؤمنين - رحمه الله -:


ما بال عينك منها الدمع ينسكبُ
كأنه من كُلىً مفريَّةٍ سَرِبُ

(والكلى المفرية القرب المقطعة)، فقال له هشام:
وما سؤالك عن هذا يا جاهل وكان هشام في عينه رمش تدمع منه عيناه.
ومع هشام أيضاً قال الشاعر يصف الشمس ساعة الغروب وهو يمدح هشام:


صفراء قد كادت ولما تفعلِ
كأنها في الأفق عين الأحولِ

وكان هشام أحول فطرده.
ونعود لجرير قالوا إنّ له أفخر بيت وهو:


إذا غضبتْ عليك بنو تميمٍ
وجدت الناس كلهم غضابا

وقالوا إنّ لجرير أهجى بيت وهو:


فغُض الطرف إنك من نُميرٍ
فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا

ومطلع القصيدة:


أقلي اللوم عاذلَ والعتابا
وقولي إن أصبتُ لقد أصابا

ويقرأ هكذا (بتنوين الترنُّم):
أقلّي اللوم عاذلَُ والعتابنْ
وقولي إن أصبتُ: لقد أصابنْ
وشَكَلنا (عاذل) بالفتحة والضمة: أصلها عاذلةُ حذفت التاء للترخيم قال ابن مالك:


ترخيماً احذف آخر المنادى
كيا سعا فيمن دعا سعادا

(عاذل) منادى وحرف النداء محذوف.
قالوا فإذا شكلنا (عاذلَ) بالفتحة فهي على لغة من ينتظر (هناك أمل برجوع التاء المربوطة المحذوفة) أما بالضم (عاذلُ) فهي على لغة من لا ينتظر (أي يئس من رجوع التاء).
ومن القصيدة البيت المشهور أيضاً:


لو اطَّلع الغراب على نميرٍ
وما فيها من السوءات شابا

قالوا: وكان الرجل يفتخر أنّه من نمير حتى قال جرير البيت (فغض الطرف) فصار يقول إنّه من حنيفة:
وقد اشتهر جرير والفرزدق والأخطل بالهجاء والنقائض
قال الأخطل في الهجاء:


قوم إذا استنبح الأضيافُ كلبَهمُ
قالوا لأمهمُ: بولي على النار
فتمنع البول شحّاً أن تجود بهِ
ولا تجود به إلا بمقدارِ
والخبز كالعنبر الهندي عندهمُ
والقمح عشرون إردبّاً بدينارِ

والأخطل غياث بن غوث التغلبي (نصراني) قالوا إنّ هذه الأبيات اشتملت على وجوه من الهجاء:قالوا إنّ كلبهم نائم حيث لا يأتيهم ضيوف وأن الضيوف يستنبحونه (يحثونه على النباح) فإذا نبح وسمعه أهل البيت قالوا لأمهم بولي على النار، وهذا استهانة بأمهم فلا احترام لها، وهذا من بخلهم بالماء، ثم إنّ نارهم ضعيفة (وهذا من بخلهم أيضاً) تطفئها بولة، قالوا وهي بولة عجوز قليلة ولو كانت بولة صبية لكانت أكبر (سامحونا وسدوا أنوفكم)، ثم إنّ هذه العجوز (من شدة كرمها) تمنع البول بخلاً به فتجود بالقليل وتحتفظ بالباقي لمناسبة أخرى، وصورة أخرى، من بخلهم فالخبز عندهم غالٍ كالعنبر الهندي مع أنّ القمح أرخص من الفجل (20 إردباً بدينار) والإردب 60 صاعاً والصاع (كيلة) 4 ربعات.
والأخطل كان مقرباً من الخلافة الأموية وقالوا إنّه هجا الأنصار من قصيدة مطلعها:


لعن الإله بني اليهود عصابةً
بالجزع بين جلاجلٍ وصرارِ

(والجزع وجلاجل وصرار أماكن)


قوم إذا شربوا العصير رأيتهمْ
حمراً عيونهمُ كجمر النار

(اليهود إذا شربوا العصير (الخمر) وليس العصير Juice احمرت عيونهم كجمر النار)
وينتقل إلى هجاء الأنصار فقال:


ذهبت قريش بالسماحة والندى
واللؤمُ تحت عمائم الأنصارِ

قالوا إنّ سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الأنصار دخل على معاوية رضي الله عنه ووضع العمامة عن رأسه وقال: ما ترى يا معاوية؟ قال معاوية: ما أرى إلاّ خيراً وبركة وعاقب الأخطل.
قالوا: وأراد الانصار رضي الله عنهم الدخول على أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنهم فناداهم حاجبه باسم الأوس والخزرج - كما كانوا في الجاهلية، فقال حسان بن ثابت لسعد بن عبادة سيد الأنصار رضي الله عنهم:


يا سعد لا تجب الدعاء فما لنا
نسبٌ نجيب به سوى الأنصار
نسب تخيَّره الإله لقومنا
أشدِدْ به نسباً على الكفار

(أشدِدْ به: ما أشده)


إن الذين ثووا ببدر منكمُ
يوم القليب همُ وقود النارِ

(إشارة إلى قتلى بدر من المشركين الذين أُلقوا في القليب بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وبمناسبة ما نذكره من النقائض وهي أبيات يقولها الفرزدق (همام بن غالب بن تميم) مثلاً فيرد عليها الأخطل ثم جرير وهذا مثالٌ عليها: قالوا إنّ عبدالملك وضع جائزة لمن يمدح نفسه بأقوى أبيات فقال الأخطل:


أنا القطران والشعراء جربى
وفي القطران للجربى شفاءُ

والقطران تُطلى به الجمال الجربى (التي أصابها الجرب) لتشفى.
قال النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر في إحدى اعتذارياته:


فلا تذكُرنّي بالوعيد كأنني
إلى الناس مطليٌّ به القارُ أجربُ

وأذكر أنّ أستاذنا في الإعدادية (في قديم الزمان وسالف العصر والأوان) أملاها علينا (مُطْلىً)
ونعود إلى النقائض .. فردّ الفرزدق:


فإن تَكُ زِقَّ زاملةٍ فإني
أنا الطاعون ليس له دواءُ

والزِّق (القربة الكبيرة) والزاملة: الراحلة والمطية والناقة وغيرها.
والطاعون ولله الحمد انقرض والذي يموت به من المسلمين شهيد وفي الحديث الشريف:
(إذا وقع الطاعون بأرض فلا تذهبوا إليها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) قالوا إنّ هذا هو الحجر الصحي الذي عرفه المسلمون قبل أربعة عشر قرناً. وفي حديث آخر أجر كبير لمن يقيم في بلدة وفيها الطاعون.
ونعود إلى النقائض: قال جرير


أنا الموت الذي آتي عليكم
فليس لها رب مني نجاءُ

قال عبدالملك: إنّ الموت أقوى من كل الأمراض وأعطى الجائزة لجرير.
وبينما نحن في هذه المنوعات فماذا لو ذكرت بهذه الأبيات الرائعة في حب آل البيت وتعييناً في علي زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي (رضي الله عنهم أجمعين):
قالوا إنّ عبدالملك جاء يطوف بالكعبة وسط الزحام فلم يفسح له أحد فجاء علي زين العابدين ففسح له الناس فقال عبدالملك: من هذا؟ استهانة بعلي زين العابدين، فقال الفرزدق:


هذا الذي تعرف البطحاء وطأتهُ
والبيت يعرفه والحِلُّ والحرمُ

والبطحاء: بطحاء مكة والحل في التنعيم


هذا ابن خير عباد الله كلهمُ
هذا التقيُّ النقيُّ الطاهر العلم

ويقصد (رسول الله صلى الله عليه وسلم)


هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهلَه
بجدِّه أنبياء الله قد ختموا

(وجدّه المصطفى صلى الله عليه وسلم وفاطمة الزهراء جدّته أيضاً وأُمّه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)


وليس قولك من هذا بضائره
العُرْبُ تعرف من أنكرت والعجمُ

إلى أن يقول:


إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمتهمْ
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هُمُ

ولا بأس بختم هذه المنوعات بقصيدة للأخطل تُعَدّ مشاهد سينمائية بينه وبين الذئب: قال الأخطل:


- وأطلسَ عسالٍ وما كان صاحباً
دعوت لناري موهناً فأتاني

(والأطلس العسال: الذئب الذي في لونه سواد وغبرة وفي سيره اصطراب - دعوت لناري موهناً: أوقد النار ليشوي اللحم ولا نعرف أمن صيدٍ اصطاده (ظبي مثلاً أو اشتراه من السوبر ماركت).


- فلما أتى قلت ادنُ دونك إنني
وإياك في زادي لمشتركانِ

(ادن: اقترب، دونك: خذ)


- وبت أقدُّ الزاد بيني وبينه
على ضوء نار مرةً ودخانِ

(أقد الزاد: يقطع اللحم، على ضوء نار مرة ودخان (مرة أخرى) وهواة الرحلات وشوايو اللحم يعرفون هذا المنظر فإذا كان اللهب انقطع الدخان وإذا انقطع اللهب ظهر الدخان.


- وقلت له لما تكشّر ضاحكاً
وقائم سيفي من يدي بمكانِ:

(وشبع الذئب وكشر عن أنيابه ضاحكاً) قال أبو الطيب:


إذا رأيت نيوب الليث بارزةً
فلا تظننَّ أن الليث يبتسمُ
فالذئب يريد أن يفترس الفرزدق
تَعَشَّ فإن عاهدتني لا تخونُنِي
نكنْ مثلَ من يا ذئب يصطحبان
وأنت امرؤٌ يا ذئب والغدر كنتما
أُخَيَّيْن كانا أُرضعا بلبان

والذئب والغدر ليسا أخوين بالرضاعة بل بالنسب (شقيقان). قالوا إنّ بدوية أخذت جرو ذئب وربّته على حليب شاتها فلما كبر بقر بطن الشاة وكسر قلب صاحبتها فقالت مخاطبة الذئب:


بقرت شويهتي وكسرت قلبي
وأنت لشاتنا ابن ربيبُ
غُذيت بدَرِّها ورُبيت فينا
فَمَنْ انباك أن أباك ذيبُ
إذا كان الطباعُ طباع سوءٍ
فلا أدبٌ يفيد ولا أديب
- ولو غيرنا نبهت تلتمس القرى
رماك بسهم أو شباة سنانِ

(حديدة الرمح).
نزار رفيق بشير/ الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved