لاأعتقد أنه مشهد طريف على الإطلاق ونحن نرى المحقق الدولي (ميليس) المشهور ب(المطرقة) يستدعي أعضاء من الجهاز الأمني اللبناني للتحقيق معهم ومحاكمتهم على تبعات قضية اغتيال الحريري. ولكن القضية تحولت إلى قرار دوليّ ولا بدّ من أن تتخذ فيه خطوات إجرائية، بحيث يساق الجميع إلى المحاكمة في مشهد يبدون فيه كأعضاء من (المافيا). ولكن لا بدّ من أن نجعل الصدر يتسع حدّ التمزق؛ فالقائمة طويلة.. لم يعد الآخر الأجنبي مجموعة من الأجهزة المعقدة، ولم يعد نظريات متحررة ومنحرفة تطول كل أنماطنا البائدة والقديمة.. اليوم الآخر افتتح مخفر شرطة ليتتبع قضايا العنف والفساد في المنطقة.. والأجنبي هو أيضاً الذي نستجلبه مراقباً دولياً ليراقب الانتخابات بعد أن عجزنا عن صناعة انتخابات نزيهة وحرة ومحل ثقة جميع الأطراف. وفوق كل هذا الأجنبي هنا حولنا بجيوشه وطيرانه يطيح بدول ويستبدل أخرى بها، ويسهم في إعادة ترتيب المنطقة، بعد أن بات له في حكم المؤكد أن المنطقة عاجزة عن أن تصل إلى صيغة مستقرة وحضارية للتعايش في هذا الكون. ولأننا شعوب تعاني حساسية شديدة في علاقتها مع الخارج، وتمتلك معدة عجوزاً وبالية عاجزة عن استقلاب الدروس التاريخية وهضمها، ومن ثم الخروج بصيغ جديدة نبادر بها هذا العالم؛ فإن التاريخ لدينا ما برح رابضاً فوق أطلاله القديمة، ولم يستطع التفرقة الواضحة إلى الآن، بين الحروب الصليبية وبين عصر (انتداب) وبين العولمة. جميع هذا يوضع في حقيبة واحدة والمشكلة أن هذه الحقيبة مفخخة ناسفة ومتشنجة، ومن الممكن أن تباغتك في أيّ منعطف، لأن الذي قام بتلغيمها لم يحصل على درجة مرتفعة في مادة التاريخ، أو لربما أن معلم التاريخ دوما متغيب، فيحل بدلاً منه العديد من الأساتذة الجاهلين بالصيرورة التاريخية والشروط الأزلية لقيام الحضارات وموتها، ومن ثم استعادة الحياة من رقدتها الأزلية. في القديم قال أحد الحكماء: (ويل لأمة لا تأكل مما زرعت، ولا تلبس مما نسجت)، ولكننا اليوم نمتلك قائمة طويلة تضاف إلى قائمة الحكيم الأولى؛ فهي أيضاً لا تعالج مما صنعت ولا تباشر العصر الحديث مما اخترعت، ولا يحقق محققوها في الجرائم التي اقترفت، وغير قادرة على مراقبة انتخابات نزيهة، وغير قادرة على مواجهة أنظمة عدوانية وعنيفة في المنطقة.. القائمة طويلة وليس بالإمكان اختصارها، ولكن ما من أحد يتكلم الآن سوى الأحزمة الناسفة؛ الحزام الناسف هو (معلقة هذا العصر)، هو الهوية التي ستميزنا لسنين طويلة، هو اللغة التي حذقناها وأجدناها، وأصبحت علامتنا الفارقة بين الأمم.
|