Tuesday 6th September,200512031العددالثلاثاء 2 ,شعبان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "دوليات"

دستور يوحد وآخر يفرق!دستور يوحد وآخر يفرق!
عبدالإله بن سعود السعدون

المشهد السياسي العراقي حالياً قد يكون متكرراً منذ نشوء الدولة العراقية الأولى إثر تنفيذ معاهدة (سايس بيكو) المأسوفة الذكر التي قسمت الوطن العربي إلى خرائط جغرافية سميت دولاً وإمارات متعددة. وكانت القوات البريطانية التي جاءت لتحرر العرب من الحكم العثماني انقلبت بعد دحر الجيش العثماني ودخوله الحدود التركية الحالية وأصبحت قوات احتلال تقسم الموحد وتكثر من إنشاء السجون والمعتقلات لتضع بين أسوارها كل وطني الذي جاءت مدعية كذباً بنصرته وتخليصه من السيطرة العثمانية.
وكررت القوات الأمريكية البريطانية نفس السيناريو السياسي كغطاء لدخولها إلى العراق بالقول إنها قوات تحرير للشعب العراقي من ظلم عهد صدام حسين وحكومته المتسلطة على أعناق المواطنين وحياتهم المدنية بصورة قهرية وبعد سقوط بغداد في السابع من أبريل 2003م أوعزت الإدارة الأمريكية لأصدقائها في مجلس الأمن بإصدار قرار يلون التدخل الأنكلو الأمريكي بالاحتلال وأيضاً ترافق بتفسير أمريكي أن هذا الاحتلال هو أيضاً لمصلحة الشعب وبناء اقتصاد جديد للبلاد وتغيير النظام السياسي نحو الديمقراطية الغربية التي ستكون مثالاً قد يطبق في بعض دول الجوار ولمصلحة شعوبها لتمييز هذا النظام وجودته دولياً!!
وانتهز الساسة الأمريكيون تعدد الأطياف العراقية وبثوا نفس السياسة التي أثبتها المستر بيرسي كوكس أول حاكم سياسي هو ومستشاروه التي تعتمد على الفرقة مذهبياً وعنصرياً ولخصها بقوله: (فرق تسد) واقتبسها السفير بول بريمر في وضعه لأسس النظام الأساسي للحكم في العراق الذي جاء مثبتاً للطائفية والمذهبية التي يرفضها العراقيون الشرفاء. وللأسف الشديد أن هناك قوى سياسية تحاول استغلال الوضع السياسي الحالي وتعمق بممارساتها المرفوضة إظهار العراق وكأنه مقسم طائفياً وعنصرياً واتجهت منذ البداية إلى التشرنق المذهبي كإنشاء البيت الشيعي وبعدها تشكيل قائمة الائتلاف التي جمعت اتجاهات سياسية مختلفة ولكنها لبست العمامة السوداء لتحصل على الأكثرية في الانتخابات الأخيرة التي جاءت عرجاء لانشغال نصف العراق الغربي بهجمات المروحيات الأمريكية وتشاركها قوى إرهابية مستوردة لتوسيع الجرح العراقي والإدامة في نزيفه البريء.
وجاء الإصرار الأمريكي على طرح الدستور الجديد المقترح الذي سعى إلى تعميق الهوة السياسية والوطنية بين من طُلب منهم كتابته قبل المواطنين العاديين حيث تم تفصيله ليناسب القوى السياسية المسيطرة على السلطة الذي يعرض وحدة التراب العراقي لخطر التقسيم السياسي .
إن كل ما يطرح من مشاريع دستورية ذات وجه ديمقراطي لا يراد به خير العراق وتقدمه، بل هو لعبة خبيثة من قوى تسعى لإلهاء الشعب عن الوجود الاستعماري للقوى الأجنبية المتحالفة في نهب خير العراق وإذلال شعبه دون تميز أو تفريق تماماً كما كان عهد البعث المهزوم يمارس قهره لكل العراقيين.
إن مشروع الدستور الجديد فرق ولم يوحد لما جاء من نصوص دستورية تؤثر على وحدة التراب العراقي وتغير في هويته العربية والإسلامية وتعطي للإخوة الأكراد حقوقاً وامتيازاً دستورياً يوسع أرض كردستان على حساب أرض العراق الأوسط والغربي وكذلك موارد مالية عالية بالنسبة لعدد السكان الأكراد في كردستان الذي يتجه نحو تشكيل دولته الثانية بعد مهاباد التي دامت ستة أشهر فقط عام 1946 وهنا يكمن الخطر المؤجل أن تصبح محافظة كركوك الغنية بالبترول وأجزاء كبيرة من الموصل وشمال بعقوبة جزءاً من أرض كردستان ومشروع الفيدرالية لجنوب العراق هو جزء حملة تقسيم العراق الموحد.
إنها دعوة صادقة لكل السياسيين الوطنيين في العراق أن يتحدوا في جبهة وطنية نحو إخراج المحتل أولاً وبرمجة ذلك زمنياً وأن يبتعد جنوده عن المدن وتصفية جيوب الإرهاب وأن يفوتوا الفرصة على المحتل الأجنبي الذي يسعى إلى فتنة طائفية مذهبية بين الشعب الواحد التي لا سمح الله قد يشعلها الجهلاء أو الخبثاء حرباً أهلية بين طوائف الشعب الواحد وأن يتذكر كل من امتهن السياسة من أجل المنافع الخاصة أو الحس المذهبي قول الشاعر:


إن كنت تدري فتلك مصيبة
وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم!!

من أجل العراق وهذا الشعار رفضته القوى الوطنية المؤسسة للعراق الملكي وفوتت القوى السياسية الحكيمة آنذاك الفرصة للاحتلال البريطاني في نشر سياسة فرق تسد، بل كانت النتيجة مذهلة بتوحد كل القوى الرافضة للاحتلال وأثمرت تلك الجهود الوطنية ثورة العشرين التي انطلقت من الفرات الأوسط وبسرعة قياسية عمت كل الدولة العراقية الحديثة وأعلنت المملكة العراقية عام 1921م وتشكلت وزارة مدنية عراقية برئاسة السيد عبدالرحمن النقيب وعينت عشرين وزيراً بدون وزارة من رؤساء العشائر الذين عارضوا الوجود البريطاني واشتركوا بثورة العشرين كتقدير معنوي لجهودهم الوطنية وبدأوا في تشكيل البنية التحتية السياسية للدولة الجديدة بعد أن حصروا الاحتلال البريطاني بقاعدتين جويتين (الحبانية والشعيبة) وكلف القائد جعفر العسكري بتشكيل الجيش الحديث في عام 1922م وفي السادس من شهر نوفمبر وتحول معظم الضباط الذين كانوا ضمن الجيش العثماني إلى سياسيين وطنيين أشرفوا على تكون مملكة العراق الأولى ومنهم (طه الهاشمي ونوري السعيد وعبدالمحسن السعدون ومولود مخلص ومزاحم الباجة جي وغيرهم من المؤسسين للجيش والدولة العراقية الأولى، وبعد خمس سنوات من تثبيت أسس الدولة سَنَّ دستوراً ينظم حياة المواطنين العراقيين حيث صدر الدستور الأول عام 1925م وكان آنذاك من الدساتير المثالية في العالم حيث بين حقوق وواجبات كل مواطن عراقي.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved