Wednesday 31th August,200512025العددالاربعاء 26 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

الأربعاء 4 رمضان 1392هـ الموافق 11 أكتوبر 1972م السنة التاسعة - العدد (427)الأربعاء 4 رمضان 1392هـ الموافق 11 أكتوبر 1972م السنة التاسعة - العدد (427)
قتله الحب
قصة: عبدالكريم الخطيب

الوقت كان مساءً أما الضجة فقد جرت بينه وبين زوجته.. فتاة بدأت بكلمات نابية قاسية من هذه المخلوقة التي اعتبرها شرسة وشاذة الطباع بين الحواءات.
كانت الضجة لها رنين في داخل البيت وخارجة، سمعها أكثر الناس والجيران من خلال النوافذ للدور المجاورة واستنكروا في تمتمات غير مسموعة طردها له من الدار لم تكن هي المرة الأولى فقد طردت أكثر من مرة وتوسل أهل الحي عندها فأعادته، وهرول مسرعاً من باب الدار يلهث كالكلب لضراوة لكمه.. جاءت في صدره أثناء عراكها معه، وقف على عتبة الدارس يتحسس أثر اللكمة، كان أهون عليه أن يموت ولا تكلمه القاسية، وأخذ بعد ذلك طريقه إلى المقهى المجاور للدار لعله يهدأ.. لم يعد يرى من حاله شيئاً لقد سئم هذه المخلوقة الزائفة.. إنها تكشر له الأنياب دائماً وتسعى لعكننته.
نسي كل شيء من حوله، حتى كاد ينسى الطريق إلى المقهى الذي اعتاد أن يرتاده كل يوم أكثر من مرة ليجد فيه متنفساً لنفسه.. ضعفاء نحن بني البشر كثيراً ما تصيبنا هذه الحالة وننسى أنفسنا ونطرق في التفكير.
وأخذ مكانه في (المركاز) المجاور لي ولبعض الأصدقاء، واستطعت أن أبصر في عيني هذا المخلوق البائس صمتاً وانعزالاً.. وحدثتني عيناه ووجهه الضامر أنه يعاني حالة نفسية شديدة (ربنا يستر) وبدأ يشعل السيجارة من عقب الأخرى وهو لا ينظر إلى أحد.. أشفقت عليه من هذا الانتحار البطي.. كان يتكئ بيده اليمنى على الطاولة ويده اليسرى معلقة في شعره من شواربه الكثيفة وهو - يبرمها ويحاول أن ينتزعها.. وأقبل صبي المقهى ليمسح بعض الطاولات التي تراكمت عليها ذرات من تراب، وأشار إليه إشارة تدل على أنه من الزبائن الدائمين.
أحضر لنا صبي المقهى أكواباً من الشاهي وأحضر له زجاجة ليموناتو شرب زجاجة الليمون وأفرغ كوب ماء في جيب ثوبه الأيمن ووضع أعقاب السجائر في جيب الثوب المعلق في صدره، وكتمنا أنفاسنا حياءً لسوء تصرفه خشيةً أن نضحك، وأشفقت عليه لما هو فيه من حال، وأدركت أنه مصاب بالعتة، وهممت أن أجاذبه أطراف الحديث غير أنه هم بالانصراف وانتصب قائماً ونقد صبي المقهى بعض القروش وأخذ طريقه بين (المراكيز) والزبائن كمن أصيب بخدر، وقفزت من مقعدي ألاحظه كانت هناك سيارة مسرعة تعبر الشارع فداهمته محدثة أزيزاً عالياً، وهنا صدرت صرخة مكتومة من قلب الرجل ولفظ أنفاسه الأخيرة في حينه، هرول كل من بالمقهى على مكان الحادث وفرق البوليس بعضهم ولكن بعضهم لم ينصرف، ومن بين هذه الجموع انحنى شيخ كبير على جسم الرجل وهو يحتضنه ويبكي ويتمتم بصوت مرتفع (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) سأله البعض أتعرفه؟ فأجاب قائلاً هو ابني يسير دائماً وهو ساهم شارد الفكر يفضل الجلوس دائماً في هذا المقهى يبحث عن الراحة لقد تغير من سنتين منذ تغيرت زوجته معه فبدأت تعاكسه وتنهره وتطرده من داره، وسأله بعض الناس لماذا تغيرت زوجته معه، وقال لا أحد يعرف السر كل ما في الأمر أنها طلبت منه ذات يوم أن يطلقها وعرضت عليه مقابل ذلك مبلغاً من المال ولكنه رفض، وقالوا له أتراه يحبها؟؟
وقال: يحبها بولع..
وسرت وسار الناس بعيداً عن مكان الحادث وصوت سيارة الإسعاف يقترب كالنذير لحمل الجثة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved