Wednesday 31th August,200512025العددالاربعاء 26 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

العسكر في مداخلة على آل الشيخ:العسكر في مداخلة على آل الشيخ:
الحضارة الإسلامية تمرض ولكنها لا تموت

هل لغير المنصف أن يطالب غيره بالإنصاف؟! سؤال يطرحه واقع الحال كلما قرأت مقالاً يتحامل فيه صاحبه ويكيل العبارات الجارحة بحجة (النقد) وبدعوى (الواقعية) وبادعاء (التحضر) ومن ذلك ما ورد في مقال محمد بن عبداللطيف آل الشيخ بل في رده على الدكتور حسن بن فهد الهويمل، في جريدة الجزيرة العدد 12010 يوم الثلاثاء 11 من رجب 1426هـ وجاء الرد بعنوان (الهويمل.. آخر الديناصورات المعاصرة!)!!!
ولست هنا بصدد الدفاع عن الهويمل، لأني أرى أن محمد آل الشيخ كناطح صخرة.. ولكنني أناقش الفكرة الأساس فأقول للكاتب وبلا مقدمات: هل الحضارة هي: مبانٍ عالية فقط، أم هل هي كيمياء فقط حتى تبيح لنفسك أن تسخر من علمائنا لعدم استحسانهم لهذين الامرين؟!!
وارتفاع المباني وزخرفتها والكيمياء تُعدُّ مظاهر تحضر من بين عشرات المظاهر وتأتي في المؤخرة إذا ما قورنت بما هو أهم منها، وخذ مثلاً: الأمن والعدل واتساع الدولة الإسلامية ورقي من تشملهم رعايتها، وانتشار العلم والتأليف والترجمة وهذه جوانب حققت الحضارة الإسلامية فيها سبقاً ونجاحاً وتفوقاً ملحوظاً، فلقد كانت بغداد وقرطبة وأشبيلية ودمشق وغيرها مضرب مثل في:
1- جمال العمارة وزخرفتها - وهذا مقياس مهم لديك!! - كما كانت فيها جامعات وعلماء درس على يديهم الناس من عرب وعجم ومسلمين وغيرهم شتى العلوم، وتحقق فيها وفي غيرها أمن وسعادة ورخاء لم تستطع الحضارتان الشرقية أو الغربية المعاصرتان أن تحققا لأهلهما عشر معشاره.. وهذا ما يدركه كل منصف متجرد عن الهوى.
2- ثم اقرأ معي هذه النصوص من شواهد حضارتنا الإسلامية لتدرك مقدار شمول وقوة تلك الحضارة.
أ- قول الفاروق رضي الله عنه (والله لو عثرت بغلة في العراق لكان الله سائلني عنها لِمَ لمْ امهد لها الطريق).
ب- قول الرشيد رحمه الله (امطري حيث شئت فإن خراجك سيأتيني).. واتساع الدولة الإسلامية الواحدة المترابطة في الدين واللغة وغيرهما لم تحقق مثله دول (الحضارة الغربية) في أوج استعمارها لدول العالم!!
ج- وقول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله (إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً).
د- وخبر انتصار المعتصم للمرأة حينما قالت (وامعتصماه).
هـ- وقول السلطان عبدالحميد (إن فلسطين ليست ملك آبائي وأجدادي حتى أتنازل عنها لليهود وإنما هي ملك للمسلمين رووها بدمائهم.. ولا يمكن لي أن أسمح بشبر فيها لليهود) وأمثال هذه النصوص كثير كثير.
وإذا قرأنا ذلك أدركنا المقدار الرفيع الذي بلغته الحضارة الإسلامية في:
1- اتساع رقعة الدولة الإسلامية والعدل والأمان اللذان وجدا فيها بحيث لم تستطع أمة في القديم والحديث أن تنشأ دولة بحجم دولة الإسلام وتبسط فيها العدل والأمان بمقدار ما تحقق في ظل الخلافة الإسلامية، وهذا جانب سياسي تميزت به حضارة الإسلام لأنها ليست حضارة (فقه ولغة)!!
2- ان موارد الدولة الإسلامية كانت موارد ذاتية من ثرواتها الطبيعية، فلم تكن تعتمد على معونات غيرها أو تفرض على الناس ضرائب كما تفعله دول الشرق والغرب التي هي في الحضارة مضرب مثل للاخ الكاتب!!
3- عزة المسلمين وقوتهم وهيبتهم التي لم يكن بالإمكان للعدو معها أن يعتدي على امرأة واحدة، فلما فعل سار له جيش كبير لاستعادة كرامة امرأة وتحرير شعب من الظلم ثم إن الخليفة المسلم لم يكن له ان يتنازل عن جزءٍ من بلاد المسلمين لعدوهم مقابل وعود بدعم ميزانيته بدنانير الذهب، وهذا شيء يسيل له اللعاب!!
أما الحضارة الغربية أيها الأخ الكاتب فإنها كما ترى حضارة: ظلم واستبداد، وحضارة شهوات ومظاهر، وحضارة إثارة للغرائز وانتهاك للقيم.. وهي مع ذلك حضارة ابتكار آلات وأجهزة ونظم وتفنن في السلاح والدّمار..
وهذه أمور لا تصنع حضارة ولا تبني كرامة إذ إن الأيدي التي تحملها لا تقيم للكرامة والقيم والأخلاق أي وزن!!! وما قيمة الإنسان إذا تجرَّد من الأخلاق وانسلخ من القيم؟!
إن في ديننا ما يحفز للعمل والابتكار، وفيه ما يدعو للتطور والاستقلال وفيه ما يشجع على التجديد والتنمية.. يقول الله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى). ويقول (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).
بقي أن أشير إلى أن الأخ محمد آل الشيخ هدانا الله وإياه قد قال في رده على الدكتور الهويمل: (فمن خلال النقد استطاع الغرب أن يبين هذه الحضارة الشامخة اليوم، والتي أنا بالمناسبة في غاية الإعجاب والانبهار بها، وأرى - عن سابق تصور وإصرار - ألا حلّ لنا إلا بمحاكاة هذه الحضارة، والاستفادة منها، والاقتداء بها، كي نحتل مكاناً تحت الشمس).
وهنا أسأل - وببراءة - أين نحن الآن إن لم نكن تحت الشمس؟!!
ثم أقولُ للكاتب: إن كان المراد الاستفادة مما لدى غيرنا من اختراعات ومنتوجات نافعة فنعم أما غيرها فلا. ويجب أن يُعلم أن (اللغة والدين) أساس كل تقدم، ودعامة كل عز ومجد وأي حضارة لا تقيم للدين وزناً فهي حضارة عرجاء حولاء.
وفي حوادث الأيام عِبر لكل معتبر، فالمتعلقون بالحضارة الاشتراكية سقطوا معها حين سقطت ودفنتهم الرياح، والمتعلقون المعجبون بالحضارة الرأسمالية سيسقطون معها حين تسقط.. وتبقى الحضارة الإسلامية حية يغذيها نبض لا يتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لأن الحضارة الإسلامية تمرض ولكنها لا تموت.
وكم أتمنى من كتّابنا الكرام ألا يكون وزن الدين عندهم مرجوحاً، بل نرجو أن يكون المقياس الصحيح للتقدم هو المحافظة على الدين وإعلاء شعائره واحترام علمائه، وفي بلادنا المملكة العربية السعودية مثل أعلى، فإنّها حينما أعلت شأن الدين وحكمت شريعة الله وأكرمت العلماء علا شأنها وتقدمت وحققت مستويات من العدل والأمن والسعادة لمواطنيها تعجز كل دول العالم أن تحققها ولله الحمد والمنة.. حفظ ولاة الأمر فيها وجزاهم خير الجزاء.
وأخيراً إذا كان الأخ محمد هداه الله يُمجِّد الحضارة الغربية ويدعو إلى الاقتداء بها فمن حقنا أن نسأله وبصراحة ماذا استفاد منها وفيماذا اقتدى بها؟!! وهل الاستخفاف بالعلماء ووصف من ينقدهم ب(الديناصور) هو مبلغ العلم الذي وصل إليه.. والديناصور في رأي بعض الباحثين خرافة.. فلماذا نقلد غيرنا في الخرافات ونسرع في أخذ القشور وتعمى عيوننا عن الحقائق والمثل؟!! وقد شهد بسموِّ حضارتنا وشمولها أعداؤها!!

عبدالعزيز بن صالح العسكر
الدلم /ص.ب 190 الدلم 11992

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved