Wednesday 31th August,200512025العددالاربعاء 26 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

البحر يبشِّر بمستقبل زاهر !!البحر يبشِّر بمستقبل زاهر !!
د. زيد بن محمد الرماني (*)

في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة جمهورية تحبو، أثار اقتصادي إنجليزي يُدعى توماس روبرت مالتس عاصفة من النقد بتنبئه بأن الجنس البشري مقضي عليه بالجوع والفقر.
وقد أكَّد في مقاله عن (مبدأ السكان) المنشور عام 1798م أنَّ الإنسان لن يتمكن من إنتاج الطعام بالسرعة الكافية التي تجاري تزايد عدد السكان.. وقال إنَّ السكان يتزايدون تبعاً لمتوالية هندسية بينما يتزايد إنتاج الطعام بمتوالية حسابية، وهكذا انتهى إلى أن النوع الإنساني سوف يموت جوعاً بصفة مؤكدة.
وللحقيقة، فليس هناك ما يخشاه الإنسان سوى الإنسان، الذي له سيطرة فائقة على بقية مخلوقات الأرض.. إذ إنه يعالج بمهارة ويشكِّل ويغيِّر من أمكنة ساكنيها من الحيوان أو النبات، فيجعلها تنبت أو تنمو في مكان دون آخر، وبهذه الطريقة والشكل وليس بتلك الطريقة.
وبقليل من المهارة وبعض الحماس، فإنه يغيِّر شكل الحيوانات وينقلها من مكان إلى مكان على سطح البسيطة كما يمنع انتشار ما يسبب له الضرر أو يقلقه.
لكنَّ الإنسان لم يعرف كيف يسيطر على نفسه، فلم يبتكر وسائل تعذيب ومعاملة وحشية للكائنات الأخرى كالحيوانات كما ابتكر في تعذيب جنسه من الإنسان.
وبعد أن ملأ جميع الأماكن الفارغة للكوكب، فإنه يقوم بتحطيمها وذرِّ محصولها ملقياً بالنفاية من فوق كتفه وبعد أن حطَّم أجسام الملايين وأرواحها في الحرب، فإنه يشن حروباً أكثر وحشية بطريقة محمومة.
إنه ليرتجف حتى أصابع قدميه لمجرد الاحتمال بأنَّ بشراً آخرين لديهم القدرة على الانتشار بتفجير حرب ذرية، بمجرد الضغط على زر كهربائي.
وهذا الرعب يكمن في استمرار زيادة التكاثر بمثل المعدلات الحالية المرتفعة لدرجة قد يصل فيها إلى محو آخر كسرة خبز من على سطح الأرض قد يؤدي ذلك إلى أن تكون الحرب الذرية مجرد عامل واحد من العوامل العديدة التي تبيد الجنس البشري لذا، يعتقد الكثيرون أنَّ هذه النكبة يمكن منع وقوعها باستخدام أفضل للبحر كمورد للطعام، مع توقع أن بمقدور المحيط أن ينتج من الطعام مثل ما تنتجه الأرض أو أكثر منها.
إنَّ الأساس النظري للأمل في أنَّ البحر يمكنه إنقاذ الإنسان من الجوع ويرجع لأن أكثر من 70% من الطاقة الشمسية التي تصل للأرض - المصدر الرئيس لجميع الطعام على الأرض - يقع على سطح البحر.. بالإضافة إلى أنَّ مياه البحر مكوَّنة من مرق مخفف يحمل في طياته جميع الكيماويات من المواد المغذية لنمو النباتات.. كما أنَّ الغرض بأن البحر غني يبدو أنه أمر مؤكد، من وجود حشود عظيمة من الأسماك والأحياء الأخرى التي يمكن رؤيتها أحياناً.. ومع ذلك، من الوجهة النظرية ومن واقع هذه الملاحظات، فإنَّ البحر ينتج ما يقرب من 3-5% من الوحدات الحرارية التي يستهلكها الجنس البشري.
يقول كلارنس أيديل في كتابه (البحار ضد الجوع): في الحقيقة إنَّ الإنسان معرض لخطر فقدانه إمدادات الطعام نتيجة للزيادة المستمرة في أعداد السكان فإلى متى ستستمر هذه الحالة حتى يواجه نضوباً في الطعام؟ والإجابة تؤكد أنَّ الإنسان قد تخطى هذه النقطة، وبدأ في التّردي للخلف كل يوم.. ومن ثم، فيجب أن يوجِّه الناس جهودهم وبنشاط لمشكلة إنتاج طعام أكثر للحشود المتوالية الإضافية من البشر الذين سيسكنون كوكبنا في السنوات القليلة القادمة.
ففي الوقت الحاضر يأتي أكثر من 95% من طعام البشر من الأرض، ومن المؤكد أن جزءاً كبيراً سيستمر في الوصول لنا من هذا المصدر في المستقبل.
فبمقدور الأرض أن تنتج طعاماً أكثر فأكثر وفي الواقع، مع التقدم الكبير في تطوير نوعيات القمح الجيدة ذات الإنتاج الفائق - الثورة الخضراء - توجد الاحتمالات لمضاعفة الإنتاج ثم مضاعفته، إذا ما توفرت الإمدادات الكافية من المياه والمخصبات والمبيدات الحشرية والآلات الحديثة.
لكن على أية حال، فإن إنتاج الحقول لما يكفي حاجات الإنسان، ولا يزال موضع شك كبير، بسبب الحواجز العديدة، الاقتصادية والاجتماعية بين الشعوب.. ولا مبرر للجدل بأنَّ سكان العالم يمكن إطعامهم إذا زالت هذه الحواجز، فالحقيقة المرة أنَّ الإنسان يتصرف دون تعقل، إنه ليس لديه الطعام الآن، وأيّاً كانت المعجزات التي تحققها العلوم الزراعية، فمن المحتمل ألا يكون لديه الطعام الكافي في المستقبل إذا اعتمد على منتجات الحقل وحدها.
وفي الوقت الحالي، فإننا نتحوَّل لطرق أكثر تقليدية لإنتاج الطعام، ومع جميع الضغوط التي تمنع زيادة الإنتاج من أراضي الحقول بالمعدل المطلوب لتزايد السكان، فقد حوّل الكثير من الخبراء والمواطنين العاديين اهتمامهم إلى احتمال أن يكون البحر هو الذي يمسك بالمفتاح المؤدي للمحافظة على بقاء الجنس البشري.
لقد نشأ غموض معقد عن البحر، لحجمه المترامي وغرابة سكانه، ووعيده وتهديده، وتعقيده، وإلى حد ما من أجل الاعتقاد السائد، بأنه مهما اجتاح الإنسان الأرض أو غيَّر وجهها فإنه عندما تصبح الحياة قاسية حقاً، فإنَّ البحر سوف يمدنا بما نحتاجه.
ومن أجل تقدير صحة هذا الاعتقاد حول قدرة البحر غير المحدودة لملء الفراغ بين حاجات الناس وإقناعهم بذلك، فإنه من المناسب بداية، تحديد المساهمة الحاضرة للبحر لإمدادات العالم من الطعام.
إنَّ محاولة معرفة هذه القدرة بمعدلات الوزن القائم لجملة الطعام أو الوحدات الحرارية المستهلكة عن مساهمة البحر في إطعام الجنس البشري هي في الواقع طفيفة للغاية من الناحية الإحصائية.. وهكذا بينما يعطي البحر نسبة جدُّ ضئيلة من جملة الطعام الذي يستهلكه الجنس البشري بَيْدَ أنه سجَّل نمواً سريعاً في إنتاج البروتين الحيواني النادر والضروري للحياة، مما يبشِّر بمستقبل زاهر للبشرية.

(*) مستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved