Wednesday 31th August,200512025العددالاربعاء 26 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

أنتأنت
لنر الحقائق كما هي.. لا كما نرغب
عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

جاك ويلش.. المدير التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك الذي سمي (أفضل مدير في القرن العشرين) لإنجازاته المهمة.. يقول: (إن من أهم فلسفاته العملية التي أدت لنجاحه أن يواجه الحقيقة كما هي وليس كما يرغب أن تكون.. وأنه يجب عليه أن يكون سيد مستقبله، وإلا فإن الآخرين سوف يكونون أسياداً عليه).
عند إسقاط هذه الفلسفة على وضعنا في المملكة العربية السعودية.. وفي ظل الظروف الحالية التي تتسم بالتعقيد والتشابك والغموض والتغيير المتسارع.. لابد لنا أن نعمل كل ما في وسعنا لنرى الحقائق كما هي في كل مرحلة من مراحل التغير السريع لا كما نرغب.. مهما كانت خلفياتنا الفكرية وموروثاتنا السياسية والاجتماعية والثقافية.. لكي نكون سادة مستقبلنا ولا يكون الآخرون أسياداً علينا.
إن الظروف والمعطيات تتغير بسرعة هائلة في جميع الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية.. مُشَكِّلة تقاطعات خطيرة تؤدي بدورها إلى خلق بؤر توتر محلية وعالمية.. جاعلة العالم قرية صغيرة.. تتفاعل أجزاؤه داخلياً وخارجياً (تأثراً وتأثيراً) بشكل كبير وسريع.
وهذا بطبيعة الحال يستدعي قيادات ديناميكية.. لديها القدرة على استجلاء غموض كل مرحلة من مراحل التغير والتطور.. وذلك بالتعرف على مكونات وخصائص كل مرحلة.. ليتم التعامل معها بالقرارات المناسبة وبسرعة تتماهى مع سرعة التغيرات.. فقرار الأمس الصحيح قد يكون غير مناسب لليوم أو للغد.. فالديناميكية سمة الحياة المعاصرة.
ومن أجل تعزيز قدرة القيادات على اتخاذ القرارات السليمة السريعة في كل مرحلة وفي جميع المجالات.. يجب دعمها معرفياً بإيضاح الحقائق داخلياً وخارجياً.. كما هي على أرض الواقع.. لا كما ترغب تلك القيادات أو تود أن تكون.
والمتغيرات التي يجب معرفتها واستجلاؤها نوعان: متغيرات إنسانية وهي الأهم وتشمل: المفاهيم، القيم، الأفكار، درجة الرضا أو الرفض، الرغبات، المحظورات.. وغيرها لدى المواطن السعودي.. والثانية متغيرات موضوعية وتشمل: حالة الاقتصاد والسياسة والثقافة.. وهذه يمكن استجلاؤها بسهولة أكثر من الأولى.
معرفة المتغيرات الإنسانية واستجلاء غوامضها ليست بالمسألة السهلة الهينة كما يظن بعض الناس.. أو أنها يمكن أن تعرف من خلال الانطباعات والآراء الشخصية.. أو من خلال الاحتكاك بفئة من المجتمع لا تمثل رأي الأغلبية.
ولإدراك القيادة الحكيمة لهذه الصعوبة.. انطلقت فكرة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كقناة للتعبير عن الرأي.. ليكون الحوار أسلوباً بناء من أساليب الحياة في المملكة.. حيث يمكن من خلاله استجلاء المتغيرات الإنسانية في المملكة العربية السعودية ببروزها كتوصيات تشكل رأي الأغلبية.. بعد كل حوار يجريه المركز حول القضايا ذات الأولوية لدى المجتمع.
نتيجة التجربة في الحوارات الأربعة التي تمت أثبتت أن الحوارات كوسيلة لمعرفة المتغيرات الإنسانية الحقيقية غير كافية لدعم القيادة السياسية ومساعدتها على اتخاذ القرارات السريعة المناسبة.. ذلك أن تلك الحوارات لا تشكل رأي الأغلبية بحال من الأحوال..
بل هي تمثل رأي النخبة المتحاورة التي يتم اختيارها وفق أسس ومعايير غير معروفة حتى الآن على الأقل، وإن كان هناك من يقول: إنها تختلف من حوار لآخر حسب القضية التي يتم مناقشتها.
لذا فإنني أرى وجوب دعم مركز الحوار بوسائل أخرى مساندة.. لكي يستطيع المركز أن يقوم بمهامه على خير وجه.. وذلك بتزويد أصحاب القرار على مختلف مستوياتهم بالمعارف والمعلومات الدقيقة والحديثة باستمرار.. وبذلك يكون مركز الحوار قناة حقيقية فعالة للتعبير عن الرأي وهمزة وصل بين المواطن والمسؤول وقياسات الرأي التي تعتبر من الوسائل الفعالة التي تستخدم في الدول المتقدمة.. التي نرجو أن نصنف من ضمنها يوماً ما بإذن الله.. من أفضل الوسائل التي يمكن أن يقوم بها مركز الحوار.. إذ إنها تعرف المسؤولين برأي الأغلبية.. وكيف يتشكل؟.. ومن يشكل هذه الأغلبية؟.. وكيف يمكن التأثير فيها؟.. لصالح تنمية البلاد في جميع المجالات.
كما أن قياسات الرأي تعتبر بمثابة تدريب للمواطنين للتعبير الحر عن آرائهم من خلال الاستبيانات واللقاءات.. لتكون حجر الأساس للإصلاحات السياسية القادمة التي يحرص عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين.. إذ إن هذه الممارسة تهيئ الإنسان السعودي للممارسات الديمقراطية القادمة بإذن الله.
كما أن نتائج قياسات الرأي تضع الحقائق أمام القيادات كما هي دون تشويش أو تضليل.. إذ إنها قياسات تتم من جهات حيادية بأعلى درجات المهنية والعلمية.. مما يجعل متخذ القرار يتخذه بسهولة وسرعة واطمئنان.. فضلاً عن كون نتائج قياسات الرأي حافزاً لكل مسؤول للقيام بواجباته على أكمل وجه.. إذ إن التقييم الحيادي العلمي الكمي الدقيق يوضح الخلل وأسبابه ويفعل مبدأ المكافأة والمساءلة بناء على النتائج لا على الأعمال فقط.
ختاماً.. أقول إننا في بحر لجي مزدحم بالسفن السريعة بكل أنواعها وأحجامها.. ويحتاج القبطان لاجتيازه بنجاح والوصول سالماً إلى بر الأمان بالسرعة المناسبة إلى معلومات دقيقة وشاملة وآنية ليتخذ قرارات فورية تجعله سيد الموقف.. وإلا فسيعتمد في قراراته على انطباعاته وآراء فئة قليلة من مساعديه مما يوقعه في الغموض الذي قد يؤدي به إلى الاصطدام بسفينة أخرى أو الارتطام بشعب مرجانية.. أو أن يصبح في وضع يكون فيه تحت رحمة قادة السفن الأخرى.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved