الراوية: أبو حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي شيرازي الأصل، وقيل نيسابوري، ويدعوه بعضهم (الواسطي). قدم إلى بغداد وأقام فيها زمناً. كان متفنناً في جميع العلوم؛ من النحو واللغة والشعر والأدب والفقه والكلام. ينهج نهج (الجاحظ) في تصانيفه. وأبو حيان له تصانيف كثيرة، وكذلك أحاديث، وحكايات، ونوادر. وسنترككم - أعزائي القراء - مع أبي حيان نفسه، يتحدث إليكم، وتستمعون إليه، ونكتب لكم وتقرأونه. * أبو حيان: حضرت مائدة الصاحب بن عباد، فقدمت مضيرة (هي مريقة تطبخ باللبن الحامض أو الحليب) فأمعنت فيها. فقال لي: (يا أبا حيان، إنها تضر بالمشايخ)، قلت: (إن رأى الصاحب أن يدع التطبب على طعامه، فعل!) فكأنني لقمته حجراً، وخجل واستحى ولم ينطق إلى أن فرغنا. ودخلت يوماً على (الدلجي) في شيراز، وكنت قد تأخرت عنه وأوجست منه إعراضاً.. (فاصل.. انتقالي) * صوت: مولاي.. أبو حيان التوحيدي.. لدى الباب. * الدلجي: فليدخل (خطوات) مرحبا، يا مرحبا أبا حيان. (لغط.. وهمهمة) * أبو حيان: مرحبا بك.. * الدلجي: هنا.. أبا حيان.. هنا إلى جانبي. (لغط.. وهمهمة) * الدلجي: من أين.. أبا حيان؟ لقد طال غيابك عنا! * أبو حيان: إذا شئت أن تقلى فزر.. متواترا، وأن شئت أن تزداد حبا.. فزر غبا. * الدلجي: ما هذا البيت إلا بيت جيد.. أبا حيان. * أبو حيان: بل يعرفه الخاص والعام. * صوت: وهو موافق لما جاء في الأثر (زر غبا تزداد حبا). * الدلجي: لو كان لهذا البيت أخوات، كان أحسن من أن يكون فرداً. * أبو حيان: له أخوات! * الدلجي: فأنشدني. * أبو حيان: لا أحفظها.. * الدلجي: فأخرجها. * أبو حيان: لا أهتدي إليها. * الدلجي: فمن أين عرفتها (باستغراب)؟ * أبو حيان: مرت بي في جملة تعليقات. (فاصل انتقالي) * أبو حيان: فلما سمع الدلجي مني ذلك، علم أني ناقل منه، عاتب عليه، ولم أرو له الأبيات إلا بعد وعده بتنفيذ شرط كان بيني وبينه. (فاصل انتقالي للمشهد السابق) * أبو حيان: فخذها: سمعت العروضي أبا محمد يقول: (دخل بعض الشعراء على عيسى بن موسى الرافقي، وبين يديه جارية يقال لها (خلوب). فقال لها عيسى: اقترحي عليه، أي ابتدعي بيتا يأتي الشاعر على منواله بأبيات تكمل معناه، فقالت: (إذا شئت أن تقلى، فزر متواتراً.. وأن شئت أن تزداد حبا، فزر غبا) فبادرها الشاعر منشداً: (بقيت بلا قلب فإني هاشم فهل من معير يا (خلوب) لكم قلبا؟! ** حلفت برب البيت أنك منيتي، فكوني لعيني.. ما نظرت لها.. نصبا ** عسى الله يوما أن يرينك خاليا فيزداد لحظي من محاسنكم عجبا، ** إذا.. شئت أن تقلى فزر متواتراً، وان.. فزر غبا) * الراوية: وقد أحرق (أبو حيان) كتبه في أواخر أيامه، لقلة جدواها، وضناً بها على من لا يعرف قدرها بعد موته.
|