Tuesday 30th August,200512024العددالثلاثاء 25 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

ولي العهد.. مسيرة عطاء ومآثر لا تحصىولي العهد.. مسيرة عطاء ومآثر لا تحصى
ناهد بنت أنور التادفي - الرياض

بسم الله الرحمن الرحيم (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة (105) صدق الله العظيم. هذه قاعدة العدل في منهج الحياة، فالعمل مرآة تعكس طويّة العامل، إن خيراً فخير، وعلى قاعدة هذا العمل ونتائجه لصالح الناس ومخلوقات الله توزن الأعمال، وتأتي القيمة الحقيقية الفعلية لمن عمل صالحاً، فينال رضا الله سبحانه ورضا الناس. ولقد كان صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وليّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام عبر مسيرة حياته الحافلة بالعطاء، كريماً نبيلاً شهماً، كان بارّاً بوالديه، وباراً بإخوته، وبارّا بأبنائه، يتعامل بأخوة حانية مع مواطنيه وبعطف بالغ مع أبنائه المقبلين على الحياة شباباً وأطفالاً.
حياة مليئة بالعطاء وطنياً وعربياً وإنسانياً، وزاخرة بمكارم الأخلاق والصبر والعمل، ووقّّادة بتربية صالحة في بيئة صالحة عفيفة، في مدرسة صقر الجزيرة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - حيث تربّى فيها سموّ الأمير سلطان على تعاليم الإسلام الحنيف، واستقى العلم من أفاضل المرشدين والعلماء والدارسين، وتعلم القرآن الكريم والعلوم بأنواعها على يد كبار العلماء، ثم واصل تعليمه، فكان لهذه التنشئة الدينية أثرها الكبير في أخلاقه وتصرفاته، وبالتالي في حياته العامة وعلاقته مع الناس وإدارته وتسييره أمور المهمات العديدة التي أسندت إليه، ولقد كان لملازمته لوالده الملك عبد العزيز وخلائفه من بعده، بالغ الأثر في اكتسابه الخبرة العملية والحنكة السياسية، وكان منذ نعومة أظفاره مبشّراً بشخصية قيادية متميّزة، وقدرة على العمل والتفاني فيه، ورحمة ألقت بظلالها الأليفة على ساحات الفقراء والمرضى والمعوزين. ولو استعرضنا من خلال قفزات نوعية مسيرة سمو ولي العهد الظافرة في رحلة الحياة، وفي منظومة المملكة منذ أن استشرف فيه والده الملك العظيم عبد العزيز تلك الصفات القيادية، فعينه أميراً على الرياض في الثاني والعشرين من شهر فبراير (شباط) 1947 كانت مهمّة جسيمة وسموّه لا يزال في ريعان الشباب، فأدى واجبه ودوره الرائد بالتعاون مع والده بإقامة هيكلية إدارية متينة ومنتظمة، كان المرجع الأول في تأسيسها شريعة الإسلام القادرة من خلال العمل بها وتعميمها على تحقيق العدالة الاجتماعية، فبرع سموّه في منصبه الأول وأعطى الصورة البهيّة الحازمة والعادلة، والمقدرة على تناول الأمور بحكمة ودراية، مما كان له الأثر الكبير (عندما تولّى سموّه منصب وزير الزراعة) في توحيد القبائل، وتوطين كثير من قبائل البدو الرّحل، ومساعدتهم في إقامة مزارع حديثة وهو مشروع رائد وأحد التوجهات الأساسية للدولة في خطواتها التطورية، ونشر الطمأنينة والمساواة بين كل فئات الشعب السعودي. وتنقّل سموّه بعد ذلك في تولي مناصب حساسة ومؤثرة في المشهد الحركي والحداثي في المملكة، وكان الكفء في كل منصب تولاه.
وكانت أهم المسؤوليات التي تولاها الأمير سلطان بن عبد العزيز في عام 1962 عندما أصبح وزيراً للدفاع والطيران ومفتشاً عاماً إلى جانب رئاسته مجالس عدد من الوزارات والمصالح والهيئات، ومناصب أخرى كلّها على قدر عالٍ من الحساسية والتأثير، وتوليه منصب وزير الدفاع كان له أكبر الأثر في تطوير وتحديث القوات المسلّحة السعودية كمّاً ونوعاً، وتزويدها بأرقى وأحدث التقنيات العالمية والفنية لتكون سياج الوطن وحامية حياض الدين، ولتساهم في مسيرة بناء المملكة، وفي النشاطات الاجتماعية والطبية مما كان له الأثر الواضح في رفاهية المجتمع السعودي، وكان للقوات المسلحة السعودية دور كبير في تحقيق الأمن والأمان في المملكة كما كان لها دور مهم في تسريع حركة البناء في كل المجالات، وفي عملية التطوير والتحديث التي كانت دائماً هاجس سموّ الأمير سلطان بن عبد العزيز، وكانت القوات المسلحّة بتوجيهات وقيادة سموّه بكامل الجاهزية والاستعداد، الملبّية دائماً والحامية لمصالح الدين والأمّة في أوقات الشدة واللين، لتكون قوّة الردع لكل من تسوّل له نفسه المساس بثوابتنا الدينية والوطنية والقومية، ولا ننسى دورها الكبير في حرب الـ1967 وحرب الـ1973 عندما هبّت بقضّها وقضيضها ملبيّة نداء الواجب إلى جانب القوات المسلحة العربية في مصر وسورية لرد أطماع الصهاينة في خيرات وتاريخ وأرض المنطقة العربية، ودفاعاً عن الإسلام والأمّة العربية، ونصرة للأشقاء العرب.
وكان سموّه في كل الأوقات رجل السلام، وما من شك في أن القوّة هي آمن وسيلة لحفظ السلام، وكثيراً ما كان يردد في كلماته وتوجيهاته، ويركّز على ضرورة تحقيق السلام في كل بقاع الأرض، فالسلام والأمن ضرورتان لمواصلة البناء، أما الحروب فليس فيها غير الدمار والقتل، وأورد عبارة قالها سموّ الأمير سلطان من واقع فهم مخلص لمسألة السلام: (القوة العسكرية هي حقا قوة من أجل السلام في المنطقة).
والأمير سلطان سياسي لبق وهادئ ومحنك، كان حاضراً مجالس الملوك من أخوته الذين عملوا أيضاً كل أعمال جليلة لرفعة الدين والوطن، وكان سموّه ملازماً لأخيه الملك فيصل بن عبد العزيز، فنهل من ذلك الفيض خبرة سياسية كبيرة، وقام بالعديد من الزيارات المهمة لمختلف الدول العربية والغربية، ممثّلاً للمملكة العربية السعودية ووجهها المشرّف، وله مواقف مضيئة في مختلف المؤتمرات الإقليمية والدولية التي مثلّ فيها المملكة. وسجّل الأمير سلطان حضوراً في مختلف المجالات، ففي مجال الأعمال الخيرية والإنسانية تم اختياره لجائزة الشخصية الإنسانية لعام 2002 تقديراً لدوره في الأعمال الخيرية والإنسانية، وهي الجائزة التي منحت له من قبل مركز الشيخ راشد آل مكتوم بدولة الإمارات العربية المتحدة، وجاء هذا الاختيار تقديراً لدوره الحيوي في الأعمال الخيرية والإنسانية على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، كما توّجَ الأمير سلطان بن عبد العزيز أعماله وجهوده الخيرية في تبني مشروع كبير تمثل في (مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية) التي أنشئت في الواحد والعشرين من شهر يناير 1995 بهدف تقديم خدمات إنسانية واجتماعية وتربوية وثقافية داخل السعودية والعالم، وتاج القول في فعل لم يسبقه إليه أحد عندما أعلن عن مكرمة بالغة عندما قال سلطان العطاء: (كل ما أملكه في المملكة من مبان وأراض وكل شيء عدا سكني الخاص هو ملك لمؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية).
وليست مشاريع الخير التي تحمل اسم سموّه ببعيدة عنّا، مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية، ولجنة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخاصة للإغاثة وغيرها من اللجان الكثيرة التي تتعهد بأعمال الخير ونجدة الملهوفين والمحتاجين والمعوقين والمدارس والمراكز التأهيلية للمعوقين والمستشفيات وحملات الخير التي تذهب إلى المحتاجين في أصقاعهم البعيدة، ومهما تحدثنا وذكرنا فلن نفي سموّ ولي العهد الأمين حقّه، ولكننا نسأل الله سبحانه أن يكتب كل عطاءاته في صحيفة أعماله وأن يشدّه بثوب الصحة والعافية، وأن يسدد خطاه.
وننوه في هذا المقام برئاسة الأمير سلطان بن عبد العزيز للجنة الوزارية للتوازن الاقتصادي، هذه اللجنة التي حققت نجاحات كبيرة، وقامت بإنجازات ملفتة، ونحن نعلم انعكاسات تحقيق التوازن الاقتصادي وأثرة على مسألة التنمية بالكامل، ولعلّ من أهم هذه الآثار تأمين فرص أكبر للاستثمار، وفرص أكثر لتشغيل السعوديين، وذلك من خلال توسيع وتحديث القاعدة الصناعية، كما حققت تلك اللجنة قفزات نوعية في علوم وتقنيات علوم الطيران والأجهزة المتطورة للحواسب والإلكترونيات، مما ساهم إلى جانب مسيرة التطوير في كل المجالات في دعم خطط التنمية في المملكة، وكلمات الأمير سلطان تعبّر خير تعبير عن توجهه الرشيد ومسعاه الدائم لرفعة المملكة ورفاه مواطنيها فقد قال سموه: (إن الدولة تضع في مقدمة أهدافها العمل المستمر والدائم على تحقيق الرفاهية والازدهار لأبنائها المواطنين، وهذه الفوائض الكبيرة هي نعمة من الله، ستنفق بما يحقق تلك الأهداف على مختلف مناطق المملكة ومواطنيها بصورة متوازنة وعادلة للجميع).
إن أهم ما يتميّز به سموّ ولي العهد الأمير سلطان هو وضوح رؤيته لكثير من الأمور الوطنية والإقليمية والعالمية، وقد استطاع أن يعبّر بشفافية عن رأي المملكة من مسألة الإرهاب ومحاولة اتهام الإسلام بالإرهاب، مشيراً إلى مسألة هامّة تجاهلتها بعض الدول وهي تتهم الإسلام بالإرهاب، وهي في أن المملكة وهي حصن الإسلام والتي تعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية دون إسفاف ولا غلوّ منتهجة الوسطية والاعتدال كانت الأكثر تعرّضاً للعمليات الإرهابية.
وكان سموّ ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز عبر مسيرة حياته ونشاطاته وعطاءاته على مدى أكثر من نصف قرن، السبّاق إلى الخير، والصادق والوفي، وكان لمشاركته الرأي ومناقشاته وحواراته في عهد خادم الحرمين المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز الأثر الواضح في تحديث وتطوير وتقدم الكثير من النشاطات الاقتصادية والعلمية والتربوية والصناعية والتجارية وإلى آخر قائمة مجالات الدولة.
وكان العضد الوفي والأمين لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم كان وليّاً للعهد، وسيبقى له الوفي الأمين، والعضد المكين في مسيرته القادمة بعون الله وتوفيقه، وبينهما رباط الأخوّة المتين الذي بدا واضحاً من تلك العلاقة الحميمة بينهما في أوقات الشدة والرخاء.
وكان أيضاً من باب الوفاء الذي عرف به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله أن اختار صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وليّاً للعهد. وعلى هذا الصدى الطيب جاءت مبايعة الأسرة المالكة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ولوليّ عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز، ومن بعدهم تابع العالم هبّة الشعب السعودي عن بكرة أبيه مبايعة وتأييداً وعهداً على الطاعة والولاء، وفرحاً باستقبال عهد جديد زاخر بالبناء والعطاء. (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) الرعد (17) صدق الله العظيم.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved