الانقسام العراقي

تظاهرات في تكريت وديالا والناصرية تندد بوثيقة الدستور الجديد وصحف عراقية عديدة خصوصاً في الشمال تبتهج بإقرار الوثيقة من قبل الجمعية الوطنية، وبصورة عامة فقد بدا العراق منقسماً غداة إقرار وثيقة الدستور التي ستعرض للاستفتاء في شهر أكتوبر المقبل، قبل اعتمادها نهائياً وبصورة كاملة.
وأكثر ما يخشى أن تحدث حالة استقطاب حادة للشعب العراقي مع ازدياد الخلافات حول الدستور، ومن ثمّ فإن الحديث عن تصعيد يصل مرتبة الحرب الأهلية يصبح أمراً غير مستبعد.
ويكفي العراق ما يعانيه حالياً من حروب تتعدد مشاربها، جعلت البلاد تتحول إلى مرتع للفوضى يمرح ويرتع فيها الإرهابيون وشذاذ الآفاق وأولئك الذين يجيدون الصيد في المياه العكرة.
ويصبح، من المهم، بالتالي أن يهرع العراقيون الحادبون على مصلحة وطنهم إلى تطويق ألسنة النيران المنفلتة، فاستعار هذه النيران لن يترك أخضر ولا يابساً في بلاد الرافدين.
وينبغي الأخذ في الاعتبار، في إطار المساعي الخيرة للإنقاذ، أن يتم العمل بجهد وطني خالص، ويبرز هنا بصفة خاصة، أن خلوص الجهد ليكون وطنياً ينطوي على بعد مهم يتمثل في إمكانية التضحية من قبل مختلف الأطراف بمكتسبات قد تكون طائفية أو حزبية من أجل مصلحة الوطن ككل.
وفي المقابل فإن الأيدي الأجنبية مهما أظهرت من التجرد والإخلاص فإنها لن تهمل مصلحتها التي قد تكتسح أي مصلحة أخرى في سبيل تحقيقها، خصوصاً إذا ارتبطت مثل هذه المصلحة الأجنبية بقوة على الأرض تجعل من اليسير تحقيق الأهداف وتغليب الرؤى.
لقد عانى العراق كثيراً، لكنه ربما يعاني أكثر وأكثر، إذا ارتبط الهم الوطني بما يقيد أو يمنع إعطاء الأولوية لعناصر الوحدة التي تجمع بين أبنائه.
وعلى كل فإن معركة الوثيقة الدستورية لم تحسم حتى الآن بشكل كامل، ما يعني وجود فرصة ما لتطويق الأخطار المحتملة ومن ثم إفساح المجال أمام تحرك القوى والجهود الوطنية المخلصة.
لقد أحدثت التطورات الخاصة بالوثيقة الدستورية ما يشبه الهزة في المحيط العربي من خلال التصور المختلف الذي أتت به لشكل العراق وارتباطاته العربية، وهو أمر لا يستقيم وحقائق الأشياء، كما أنه ينبئ بأخطار شتى تتجاوز مجرد العراق إلى كامل المحيط العربي.