يدوم عز الوطن وتتضح معالم استقراره عندما يبقى شامخاً ثابتاً أمام أقوى عاصفة تهز كيانه بفقد قائده وربّان سفينته؛ ويستلم الراية خليفته ويقود المسيرة بروح السياسة الثابتة نفسها، وعلى خطى القائد الراحل امتداداً لما أرساه موحِّد الكيان وأبناؤه من بعده، هذا الانتقال السلس في مسيرة القيادة، أبهر المراقبين السياسيين في مختلف بقاع الأرض، ولكنه لم يفاجئنا نحن أبناء هذا الوطن المبارك، ذلك أنّنا ندرك حقيقة هذه العائلة الحاكمة؛ فهي ليست ذات دم أزرق أو تعيش في برج عاجي مرتفع عن مستوى المواطنين، بل هي جزء من تركيبة هذا الشعب، قريبة من أحاسيسه، مختلطة بدمه، نراهم في غالب الأوقات، ونصل إلى مجالسهم بيسر وسهولة، وهذا أمر طبيعي لنا، ولكنه يلفت انتباه الآخرين الذين يجدون صعوبة ربما في مقابلة مسؤول أو ضابط صغير في مجتمعات قريبة. إنّ هذا التلاحم بين القيادة والشعب هو أساس قوّة وصلابة الأرض التي يقف عليها بناء هذه الدولة الشامخ. وهكذا انتقلت السلطة من ملك عاش للدِّين والوطن ومات بذكر حسن ملأ صفحات التاريخ بأعماله ومنجزاته، إلى ملك فتح التأريخ له صفحاته ليسجِّل بدايةً نبراسها العدل؛ فكان السطر الأول في هذا السِّجل كلمات القائد لشعبه: (أعاهد الله ثم أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستوراً، والإسلام منهجاً، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين) .. نعم هذا العهد الذي بدأ به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز عهده، وبهذه الكلمات التي تُكتب بمداد من ذهب يؤكد قائد هذه الأُمّة هويّتها الإسلامية التي لا تتبدّل ولا تتلوّن في ظل وجود هذه الأُسرة منذ إرساء دعائم دولتها الأولى على يد الإمام محمد بن سعود. وحينما يقطع الملك عبدالله عهداً بأن يكون إحقاق الحق وإرساء العدل شغله الشاغل، نصدقه لأنّنا نعرفه ونعرف مواقفه مع العدل، ألم يقل في مجلسه المهيب في الديوان الملكي لأحد المواطنين ذات يوم: (لا أحد يستطيع أن يقف في وجه الشرع لا عبدالله بن عبد العزيز ولا غيره)، هذه الكلمات لا تحتاج إلى تعليق، بل هي تأكيد على صدق المنهج الذي يسلكه هذا الملك في إدارة دفّة الحكم بإرساء العدل، فهو حقّاً (ملك العدل) ويشرِّفني أن أطلق هذه الصفة على مليكنا المفدى ... إنّ تباشير الخير التي هبَّت بها رياح عهد الملك عبدالله وسمو ولي عهده سلطان الخير بالمكرمات بدءاً بالعفو ومروراً بزيادة رواتب العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين ومعاشات المتقاعدين، تدفعنا إلى التفاؤل بالأمل المشرق لمستقبل هذه البلاد، حفظ الله مليكنا وولي عهده وجعلهما خير خلف لخير سلف ...
(*) المستشار في الديوان الملكي |