Tuesday 30th August,200512024العددالثلاثاء 25 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

هذرلوجياهذرلوجيا
شاعر الدكتاتور
سليمان الفليح

كان يقعي في ردهة البهو في الفندق الكبير كالقط (المنتوف) الهرم، يزيغ بعينيه الهلعتين متوسّلاً المارة إلقاء التحية كما كان في مجده القديم، حيث كان يتحلَّق حوله عشرة من الكتّاب ويسير خلفه عشرة من الكتّاب ويسير أمامه عشرة من الكتّاب. وكان - آنذاك - منتفشاً كالطاؤوس الضخم يرفع (خشمه) للسماء وينظر للآخرين من علٍ كأنّهم الذباب، حدّقت فيه وهو في أقعاءته المحزنة تلك، قلت لمن معي أتعرف ذلك المخلوق الحزين الذي يقعي هنالك كالقط الهرم؟! قال لي من ذاك؟! قلت له لقد كان من أهم شعراء العربية في السبعينات وما قبلها، وكان يلقى الاحترام والتبجيل على طول الوطن العربي وعرضه، ولكنّه حينما (طبق) مع الرئيس الأوحد والدكتاتور الوحيد، أصبح بوقاً مشروخاً لا يحسن إلاّ التمجيد (لصنمه) الأكبر، وتلاشى شعره العذب وأصبح مجرَّد (هتّيف) مدوّي الصوت كلما تحرّك ذلك الصنم - وفي سنوات الاستقطاب والاحتواء التي حلّت بالشعراء العرب لتمجيد الدكتاتور، كان هو الذي يُقرِّب من يشاء ويبعد من يشاء ويدعو من يريد للعشاء على مائدة الرئيس. وأصبح بعض الشعراء يمجدونه هو ليقرِّبهم من الرئيس. وكان هو الوحيد الذي يقرِّر سجن الشعراء أو نفي الشعراء أو تنصيب الشعراء. واليوم حينما سقط الصنم، فرّ من بلاده كالجرذ المذعور وها هو أمامك يا صاحبي كما ترى يحدق بعينين (تشحذان) التحية.
* * *
ولأنّني أؤمن بالمقولة العتيدة (ارحموا عزيز قوم ذل) فقد اقتربت منه ومددت يدي قائلاً أهلاً بشاعرنا العظيم، قفز كالملدوغ من الكرسي وكاد أن يقبِّل يدي لأنّني الوحيد الذي عرفته في هذه المدينة النائية، حيث يتوارى عن أعين الآخرين لأسباب أمنية (!!) بالطبع قلت له لن أنكأ جراحك اليابسة بل إنّني أتمنى لك حياة هادئة بعيداً عن جلبة الكرنفال وعن بريق المجد، ولكنّنا كشعراء كنا نحبك قبل سقوط الدكتاتور لم نكن نتمنى لك هذه النهاية البائسة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved