Saturday 27th August,200512021العددالسبت 22 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "متابعة "

ليس رثاءليس رثاء
صالح المساعد ..النشيد المهاجر
بقلم :صالح العذل

على الرغم من أننا فقدنا إنساناً غالياً، وأخاً كبيراً، وأنيساً جميلاً، إلاّ أن عزاء أهله وأحبابه وأصدقائه، أنه ترك خلفه خمسة نجوم سيحملون عنه -إن شاء الله- راية أخلاقه وسلوكه وفضائله ولطفه وصبره وإيمانه..
رحل (أبو مازن) الإنسان، إلاّ أن شمسه الدافئة لن تغيب عن جفوننا، وأسماعنا، ومشاعرنا، وسيبقى ذكرى حلوة مضيئة بيننا نحملها معنا أينما ذهبنا، وحتى حين موعد الرحيل..
سنردّد معه، وهو في رحاب الله، أجمل أناشيده الأخلاقية، وأروع فضائله، وسنعزف على أوتار عوده أعمق مشاعره، ونكرر أبدع مداخلاته وطروحاته، ولذعاته الراقصة..
***
منذ أن عرفت (أبو مازن)، وحتى رحيله الطويل، وأنا لم أسمع منه أو عنه، كلمة نابية، أو جارحة، أو خارجة عن حدود الأدب في حق أي إنسان بعيد، أو قريب..
كان عميقاً عميقاً في محبته..
كان رائعاً رائعاً في وفائه..
كان جميلاً جميلاً في لطفه..
كان نزيهاً نزيهاً في تعامله..
كان حليماً حليماً في سلوكه..
كان شجاعاً شجاعاً في رأيه..
كان صبوراً صبوراً في تحمله..
وكان مؤمناً مؤمناً بما كتب له..
***
يتحدث شفاهةً أو هاتفياً، ويشعرك بأنه سيعيش أبداً مثل غيره من الناس الأصحاء الأقوياء..
يقول له طبيبه حينما أُصيب بمرضه القاتل منذ أمدٍ بعيد: (بأن مثلك من البشر، هو الذي أرغب في علاجه، لأنه هو من سيتحمّل ألم العلاج بمعنويته العالية، وسيستجيب لمراحل العلاج الصعب..)
ويقول (أبو مازن) إنه ابتهل إلى الله عز وجل أن يتيح له من العمر ما يكفي لتحقيق بعض أمانيه الشخصية الغالية، قبل أن يقدر عليه الرحيل عن هذه الدنيا الفانية، إلى دنيا أرحب وأكثر هدوءاً ونقاءً وصفاءً وجمالاً..
وفي أيامه الأخيرة، كان يردد أمام أهله وأحبابه (أن الله أعطاني أكثر مما تمنيت) وكأنّه بذلك يشير إلى دعوته القديمة، واستجابة رب العالمين لها.. حيث يرى من حوله زوجته وأولاده وأحفاده يحيطونه بالحب والرعاية والأمل..
كان يعرف تماماً حقيقة مرضه..
وكان يكافح..
يدرك خطورة ما فيه، ويرويه بشفافية.. ولم يستسلم..
يقول رحمة الله عليه إنه (واجه مرضه في المرة الأولى وانتصر عليه، وعاد إلى وطنه سعيداً جميلاً..)، ثم واجهه للمرة الثانية، ودخل معه في معركةٍ شرسة وانتصر عليه أيضاً، وعاد إلى بلاده ضاحكاً مستبشراً مقبلاً على الحياة.. وفي معركته الثالثة مع المرض تغلّبت ضراوة وشراسة هذا المرض على صبره وشجاعته وإرادته القوية في الحياة.. وواجه إرادة الله بطمأنينة وسكينة وهدوء..
لم ينقطع عن أهله، وهو في رحلة طويلة مؤلمة مع المرض..لم ينقطع عن أحبابه وأصدقائه ومعارفه وهو في أشدّ معاناته..
لم ينقطع عن الجريدة والخبر والمقالة والبحث..
لم ينقطع عن الكتاب..
لم ينقطع عن القصيدة..
ولا عن الأطفال..
وفي كل حالاته..
لم ينقطع عن الحياة..
لم ينقطع عن الحب..
لم ينقطع عن العطاء..
كان حيوياً، يحب كل ما هو جميل في هذه الحياة..
***
شاعر رقيق رقيق
يمزّق بعد فترة وجيزة ما كتب..
ولا أعرف سبباً يفسّر ذلك..
على الرغم من أن نتاجه الشعري بديع..
قارئ كبير..
يوصي أحبابه بإحضار الجديد مما صدر هنا، أو هناك..
ولا يتردد بطلب استعارة أي كتاب من صديق..
يروي ما قرأه بعذوبة وابتسامة وجمال..
وبلغة عربية راقية صافية..
يحكي ما حدث أو سمع أو رأى بأسلوب تصويري رائع..
يمتلك ذاكرة (فوتوغرافية) معبّرة..
***
عمل بصمت كبير..
وبلا ضجيج..
قاد فريقه داخل وخارج المملكة بهدوء وحكمة واتزان..
تقاعد من عمله بهدوء شديد، بعدما أدّى واجبه الوظيفي كاملاً بكل محبة وإيثار وصدق ونزاهة واندفاع..
لم ينتظر تكريماً من أحد..
من منطلق أن ما قام به تجاه وطنه الحبيب.. هو واجب ديني وأخلاقي، ومسئولية أجيال..
***
لا يجيد العزف على أوتار الكذب والنفاق..
لا يحسن ارتداء القبعات الملونة في المناسبات..
لا يحبّ الضرب على الدفوف والطبول والرقص على صوت المزمار..
لم يتعلم أبداً أبداً قراءة الكف والودع والفنجال..
ولا يعرف ضروب السحر، وقول البهتان..
***
يموت الآباء والأمهات، وننسى ألم الحرمان..
يموت الأولاد والبنات، وننسى حسرة الأحزان..
يموت الصديق والحبيب، وننسى وجع الفراق..
أروع ما في الإنسان إيمانه وصبره وقدرته على النسيان، لكي تستمر الحياة..
والأروع أن يتحول ألم النسيان إلى اندفاع الأبناء في الخلق، وإصرار على الإبداع، لكل ما يحبه الله ويرضاه، ويؤمن به الراحل الكبير.. وهو في حد ذاته عزاء جميل للأحياء قبل رحيلهم إلى الحياة الأخرى..
***
أبو مازن
غفر الله لك، واسع المغفرة
ورحمك الله، عظيم الرحمة
وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة
وألهم أهلك وأحبابك وأصدقاءك الصبر والسلوان إنه سميع مجيب.

(*) نائب مدير صندوق التنمية الصناعية السعودي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved