في مثل هذا اليوم من عام 750 قُتل مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر خلفاء الدولة الأموية. مرَّت الدولة الأموية في الفترات الأخيرة من حياتها بفتن، وقلاقل، وثورات، واضطرابات، ولم تكن هذه المرة من أعدائها والخارجين عليها، وإنما أشعلها أهل البيت نفسه دون مراعاة لوحدة الأسرة الحاكمة أو المحافظة على سلامة الدولة، وانشغل كل ثائر بنفسه لا يرى سواها ولا يرى الحق إلا فيها، وكانت هذه الفتن هي أخطر ما واجهته الدولة الأموية، فاجأتها وهي منهكة القوى من طعنات الثائرين عليها، مفككة البنيان بعد أن فعلت العصبية القبلية أفاعيلها في جسد الدولة، فإذا أضيف إلى ذلك أن خلفاء الدولة المتأخرين لم يكونوا على قدر المسؤولية، وتعجز ملكاتهم عن قيادة إمارة صغيرة فكيف يفعلون بدولة عملاقة كالدولة الأموية؟ تجمع ذلك كله وسار في اتجاه سقوط الدولة وحاول مروان بن محمد أن يعيق تصاريف القدر أو يؤجل وقوع المصيبة، فما استطاع على قدرته وكفاءته، فكانت الأقدار أكبر منه والأحداث سريعة متلاحقة أعجزته عن تدبير أمره، فوقع ما ليس منه بد، وانهار البناء الشامخ، وكان يُظن أنه راسخ كالجبال. تتابع خلال ثلاثة أعوام ثلاثة من خلفاء الدولة الأموية، فتولى الوليد بن يزيد بن عبدالملك الخلافة سنة (125هـ -742م)، ولم يمكث طويلا في الخلافة، وثار عليه أبناء عمومته من أبناء الوليد بن عبدالملك وأخيه هشام، وانتهى الأمر بقتله سنة (126هـ - 743م)، وتولى يزيد بن الوليد بن عبدالملك الخلافة، لكنه عجز عن ضبط أمور الدولة التي اضطربت، وانشغل أبناء البيت الأموي بالصراعات وتدبير المؤامرات، وزاد الأمر سوءاً اشتعال العصبيات القبلية، وانتقل الخلل من عاصمة الدولة إلى الأقاليم، وفي وسط هذه الأحداث الهائجة والأحوال الثائرة توفي يزيد بن الوليد، ولم يتجاوز حكمه ستة أشهر تاركاً دولته تموج بها الفتن، وتشيع فيها الفوضى، وبعد وفاته تولى أخوه إبراهيم بن الوليد الخلافة، ولكن الأمر لم يتم له، ولم يستطع أن يمسك بزمام الأمور، حيث نازعه مروان بن محمد الحكم، ونجح في إزاحته عن منصبه، وتولى الأمر بدلاً منه. كان مروان بن محمد قبل أن يتولى الخلافة الأموية حاكماً على ولاية أرمينية وأذربيجان تولاها سنة (114هـ - 732م) من قبل هشام بن عبدالملك، فأظهر كفاءة وقدرة في إدارة شؤون ولايته وبذل جهدا كبيرا في ضبط أمورها، ورد غارات الترك والخزر على حدود ولايته، وظلَّ مروان على ولايته حتى نجح في الجلوس على كرسي الخلافة الأموية بعد أن لعبت به الأهواء. ولم تكن الظروف التي تولى فيها مروان بن محمد تساعده على الخروج بدولة الخلافة من أزمتها، بل كانت مضطربة تغلي كالمرجل فتحمل هو عبء أوزارها، وحاول بكل ما يملك من قوة إصلاح اعوجاجها، ولكنه كلما خلص من أزمة ظهرت له أخرى، كأنها تنتظره فأنهكت قواه، واستغرقت جهده ووقته، ولم تدع له فرصة للتفسير الهادئ والتأمل الرزين. وكانت دمشق معقل الأمويين ومركز أنصارهم منقسمة على نفسها شيعا وأحزابا، وامتد هذا إلى الشام كله، وأصبح الأمر كله منذرا بالخطر، فحاول مروان أن يهدئ النفوس، ويسكن القلوب الثائرة بأن عرض على أهل الشام أن يختاروا من يرضونه واليا عليهم دون نظر إلى عصبيته وقبيلته، ففعلوا ذلك، وبهذه الخطوة الطيبة نجح مروان في أن يرتِّب أوضاع الشام وأن يعيد الهدوء والنظام إليها. ولم يكد يطمئن الخليفة مروان بن محمد في حران التي اتخذها مقرّا لحكمه حتى تبدَّد الحلم، وانهار صرح السلام بعد أن جاءته الأخبار بثورة أهل حمص عليه بزعامة ثابت بن نعيم الجزامي، وكان مروان قد أبدى معه تسامحا ولينا، على الرغم من غدره به من قبل وإثارته الناس عليه، فعيَّنه واليا على فلسطين بناء على رغبة أهلها، ولكن (ثابت) لم يحفظ عهدا أو يراعِ ودّا، وغلبت عليه نفسه الأمارة بالسوء فكاتب الناس، ودعاهم إلى الثورة، وحضهم على الخروج على الخليفة، ولم يصبر مروان على هذا الأمر فخرج على رأس جيشه، ونجح في قمع الفتنة واقتلاع جذورها. وفي الوقت الذي كان مروان بن محمد مشغولاً بقمع ثورة حمص شبَّت ثورة هائجة في غوطة دمشق، وولَّى أهلها عليهم زعيما يمنيّا هو يزيد بن خالد القسري، وساروا إلى دمشق، فحاصروه غير أن مروان أرسل إليهم وهو في حمص جيشاً تمكن من القضاء على الفتنة وقتل متزعمها. كان مروان بن محمد يستعد للِّقاء الحاسم لاستعادة دولته ورد العباسيين، فتحرك بقواته من حران إلى الموصل، والتقى بالعباسيين عند نهر الزاب الكبير - أحد روافد دجلة-، ودارت بينهما معركة هائلة لم يستطع جيش الأمويين على ضخامته أن يحسمها لصالحه، فحلت بهم الهزيمة في (جمادى الآخرة 132هـ- يناير-فبراير 750م)، وفرَّ مروان بن محمد من أرض المعركة، وظل ينتقل من بلد إلى آخر يستعين بالناس فلا يجد معينا فقد أدبرت عنه الدنيا، وانصرف عنه الأنصار، وانتهت به الحال إلى مصر، فدخلها طلبا للنجاة والعباسيون من ورائه يتعقبونه، حتى لحقوا به وقتلوه في قرية تسمَّى (زاوية المصلوب) التابعة لبوصير الواقعة جنوبي الجيزة في (13 من ذي الحجة 132هـ-23 من يوليو 750م)، وبوفاته انتهت الدولة الأموية في المشرق، وقامت الدولة العباسية.
|