منذ سنوات وأنا أبحث عن كتاب لطه حسين بعنوان (من لغو الصيف). لا أتذكر منه سوى أنه مجموعة من المقالات كتبها الدكتور متفرقة في الصحف وجمعها في كتاب ثم أعطاه هذا الاسم. كل من يقرأ العنوان سيحدس أن المواضيع المطروحة فيه خفيفة كتبت من باب التسلية والتسرية عن النفس في فترة تكون الناس في أشد الحاجة إلى ما يخفف عليهم. أريد أن أعيد قراءته وأعرف بالضبط ما شدني فيه. لماذا بقي عنوان هذا الكتاب حياً في ذهني. إذا تذكرت أني اطّلعت على ذلك الكتاب وأنا طالب في المتوسطة لا أنسى أني أحببت أسلوب طه حسين الذي يقرأ ما أكتبه ربما يلاحظ تأثري بكثيرٍ من صيغه وبعض البناءات اللغوية التي يستخدمها كما تأثرت كثيراً بأفكاره ولكني تخلصت منها (أفكاره) بعد أن عرفت أنه لا ينطلق من أصالة في التفكير وإنما يأخذ عن شيوخه من المستشرقين. لم يعد لطه حسين أي أهمية هذه الأيام. لم أعد اقرأ من يستشهد به أو حتى يذكره، سوء حظه أوقع نهايته بين مطرقة الحداثيين وسندان الإسلاميين، فالحداثيون تجاوزوه والإسلاميون كرهوه منذ البداية وحاربوه فتلاشى اسمه في فترة الثمانينيات بسرعة قياسية. يبقى عنوان (من لغو الصيف) أثيراً عندي، ألفت تحت تأثيره عدداً من المقالات، استخدمه لتطويق مجموعة من الأفكار التي لا أجد لها إطاراً أضعها فيه، الأفكار الخفيفة التي تميل إلى التسرية ابدأها عادة مع بداية هذا الشهر يوليو، وتستمر معي حتى أغرق في الكسل الصيفي عندها أضطرُ إلى أن اتوقف وآخذ إجازة. بدأت فكرة مقالات لغو الصيف في إحدى الصيفيات كنت أجلس في بلكونة مطلة على شاطئ من شطآن البحر الأبيض المتوسط التي يتمرغ على رمالها عدد لا حصر له من البشر الموشاة شعورهم بالذهب، من عادتي إذا جلست على شاطئ من هذا النوع أن أحدد موقفي من العالم علي أن أحدد مجال الرؤية وانعكاسات الشمس وأثر لمعان حبات الرمل على كل شيء يحركها، اختار المكان بعناية وفقني الله تلك المرة ببلكونة تطل على كل حبة رمل شقراء تتلألأ في ذلك الشاطئ. كما وفقني الله ان أكون وحيداً ليس لأحد سلطة على حركات عيوني وتقلباتها، كان معي جهاز كمبيوتر محمول معبأ بعددٍ من الأغاني مصنّفة في الجهاز وفقاً لتاريخي العاطفي.. كل مجموعة من الأغاني تشكّل مرحلة عاطفية معينة بعضها يرقى إلى مرحلة الطفولة، اشغل المجموعة حسب المزاج، إذا كان المزاج مرحاً ولحظياً شغلت الأغاني الحديثة وإذا كان المزاج نستلجي (حنيني) عدت للأغاني القديمة وإذا كنت (طفشاناً) لا أملك ما يمكن أن أفكر فيه بشكلٍ عاطفي بناء، عدت للأغاني المرحة المسلية، طبعاً تقسيمات غير دقيقة اتسلى بها كعمل نقدي أتعرفُ من خلاله على أوجه تأثير الموسيقى على قلبي. في تلك البلكونة المتوسطية بدأت فكرة مقالات (من لغو الصيف) يا لها من بداية جميلة لا تُنسى منذ أربع سنوات تقريباً وأنا استغلُ فترة الصيف الميتة هذه لأكتب مقالات بسيطة ومسلية وخفيفة أضعها تحت هذا العنوان، في العام الماضي انحرف هذا النوع من الكتابة في ذهني. ربما يعود هذا الانحراف إلى تقادم صورة الرمال الشقراء في ذاكرتي، كتبت عن الكتابة للتلفزيون من الصعب تصنيف هذا النوع من الكتابة ككتابة مسلية أو بسيطة ولكني وضعتها تحت هذا الإطار لأني كتبتها بطريقة غير أكاديمية بصورة خواطر عامة يمكن أن تؤخذ كمادة مسلية لا تعليمية أو تدريبية ركّزت فيها على بعض المفاجآت التي يجهلها بعض القراء عن الكتابة للتلفزيون. أمامي اليوم عددٌ محدودٌ من المقالات قبل أن أبدأ إجازتي السنوية يفترض أن تكتب كلها تحت عنوان (من لغو الصيف). لم يعد أحدٌ يحتمل الكتابة الجادة والأهم أن قراءنا الحقيقيين أصبحوا الآن في يخوتهم على الشواطئ البعيدة أو في شققهم الفاخرة في باريس أو لندن، ولم يبق إلا قراؤنا ممن أقنعهم فقرهم بقضاء الإجازة في ربوع الوطن المعطاء. هذا يلقي علينا مسؤوليات جسام، من أين نبدأ في تسليتهم والترفيه عنهم حتى ننسيهم ولو مؤقتاً شوقهم للإجازات الخاثرة. ما هي المواضيع التي تتناسب مع لغو الصيف. استعرضت عدداً من المواضيع والقضايا الخفيفة ولكني لم اتخذ القرار النهائي على كل حال سأبدأ كتابة من لغو الصيف هذا الأسبوع. وعسى أن تعجب الجميع.
فاكس: 4702164 |