أحداث غزة وترتيبات الانسحاب

رغم فداحة ما حدث على الأرض الفلسطينية من صراع بين الاخوة فإن السرعة التي تم بها تطويق الاشتباكات وإنهائها تعبّر عن حرص شديد على سلامة الصف الفلسطيني، فالذين خاضوا القتال ضد بعضهم البعض يدركون من أول رصاصة أنهم تورطوا في عين الخطأ، ومع ذلك فإن طغيان المشاعر الغاضبة على النفوس سمحت بأن تتواصل تلك الاشتباكات لبضع ساعات.. وربما تعين على الفلسطينيين الإحساس بوقع الصدمة حتى يدركوا فداحة ما انزلقوا إليه، وتمثلت الصدمة بصفة خاصة في قيام إسرائيل خلال القتال الفلسطيني- الفلسطيني بقصف مواقع في غزة وقتل عدة أشخاص، ومن ثم فقد تنبه المتقاتلون في شوارع المدينة إلى أنهم يساعدون إسرائيل بطريقة مباشرة في تحقيق أهدافها من خلال هذا الاقتتال.. لقد قدمت تلك المشاهد التي جرت في غزة في الأيام القليلة الماضية تلخيصاً لما يمكن أن يحدث في حال الانصراف عن متابعة تحركات العدو وفي حال تجاهل تعزيز مقومات النضال ضده، فمثل هذا الانصراف خصوصاً، يؤدي إلى قيام إسرائيل بانتهاز هذه الغفلة إلى ترتيبات سريعة يتم بموجبها استخدام كل ما يمكن ضد الطرف الآخر.. وتُدرك إسرائيل أن عناصر التلاقي والتضامن بين الفلسطينيين هي أكثر مما يفرق بينهم، ولهذا فهي تسعى إلى تضخيم تلك السلبيات من جهة تعميق الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية متى وجدت فرصة أو التحرك مباشرة إلى استغلال الثغرات القائمة وتوجيه ضربة هنا أو هناك عبرها..
ومن ثم فإنه يصبح من الضروري أن يظل الوعي قائماً بضرورة التحرك سريعاً لإغلاق كل الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها إسرائيل وتوجه من خلالها ضربة إلى العمل المشترك بين الفلسطينيين .. ويحتاج الفلسطينيون الآن وبشكلٍ أكبر لإظهار توحدهم أمام التطور الوشيك الحدوث، فبعد أقل من شهر من الآن يتوقع أن تقوم إسرائيل بالانسحاب من غزة، وفي الخطوة أكثر من مغزى، وفيها ما يتعلق بطبيعة هذا الانسحاب ودوافعه ومراميه، لكن ربما بات الآن التركيز على التصورات الخاصة بفترة ما بعد الانسحاب، فالكثيرون يتحدثون عن فراغ أمني، لكنّ الفلسطينيين مطالبون بعدم السماح بمجرد الإيحاء بأن أي فراغٍ ومن أي نوعٍ يمكن أن يحدث.. ولعل المهم من أجل تأمين ذلك يتمثل في التضامن القوي بين الفلسطينيين وعدم السماح بما يخل بالترتيبات الأمنية، خصوصاً أن اشتباكات غزة مازالت ماثلة في الأذهان.