منذ نحو ثلاثين عاماً خلت - إن لم تخنِّي الذاكرة - التقيتُ بمحمد حسنين هيكل هنا في مدينة الرياض.. جمعني به مع مجموعة من الزملاء والمثقَّفين حفل غداء أُقيم له في فندق الرياض إنتركونتننتال.. وكان هذا اللقاء هو الأول والأخير الذي أستمع فيه إلى الرجل عن قُرب.. واعتقدتُ يومها أن مثل هذا اللقاء سوف يضيف إلى معلوماتي ما لا أعرفه عن وزير الإرشاد ورجل الأهرام والنجم الصحفي المدلَّل في حقبة الرئيس جمال عبد الناصر.. *** تحدَّث الرجل (كثيراً) إلى حضور حفل الغداء.. بينما أصغى واستمع (قليلاً) إلى الجمع الذي ضمَّه ذلك اللقاء.. وحاول أن يُملي قناعاته ورؤاه على الحضور في محاولة منه للتأثير في قناعاتهم غير المتَّفقة مع أغلب وأكثر ما كان يقوله لهم.. فيما كان يصغي الجميع - تأدُّباً - إلى ما كان يتحدث به ضيفهم عن قضايا ومواضيع لم يكونوا يشاركونه الرأي فيها أو يتَّفقون معه على تفاصيلها.. *** جاءت الزيارة بعد سنوات من ممارسات عبثية بحق الرياض مارسها وزيراً ورئيس تحرير وكاتباً دون أدنى مبرِّر.. وكانت الرياض - كعادتها - متسامحة؛ إذ استجابت لرغبته في زيارتها على رغم المرارة التي كانت تشعر بها كلما تذكَّرت ما كان يقوله ويكتبه ويتحدث به من إسفاف وأكاذيب عنها.. وكان يُفترض به وقد عاد إلى القاهرة بعد أن رأى ما رآه من نهضة تنموية وعمرانية ومن اتساع في خريطة الجامعات والمدارس والمستشفيات والمصانع وغيرها أن يكف عن هذا النوع من الكتابات والآراء ما دام قد أدرك عدم رغبة الرياض في مديحه وإشادته الرخيصة، وأنها غير مبالية بافتئاته على الحقائق.. *** لكن محمد حسنين هيكل الذي يكره المملكة - كما هو ثابت - ولا يرى في إنجازات هذه الدولة إلا ما يتوافق مع هواه، ويتَّفق مع أهدافه ومع التحليل غير النزيه الذي يقوله معتمداً على كراهيته وحسده لكل مَن هو سعودي، مع علمه بحقيقة ما هو عليه هذا الشعب، وبما هي عليه قيادته على امتداد التاريخ التي يحاول هيكل أن يتعامى عنها ويتجاهلها ويتحدث بما يخالفها إرضاءً لنزعة الحقد والكراهية عنده.. *** وفي زعمي أنه لا معالجة لمثل هذا المرض.. وبالتأكيد فإنه لا خلاص منه.. وهو في كل الأحوال وفي جميع الأزمنة سوف يبقى شاهداً على أن طبع الإنسان يغلب على تطبُّعه.. بمعنى أن مَن يَسُودُهُ سلوك الكراهية والحقد لن يرى الذهب الخالص إلا رماداً، ولن يقبل ولن يصدِّق ما تراه عيناه من حقائق ما دام الحقد والكراهية قد خيَّما على سلوكه ومشاعره ونظرته إلى الأمور. وهذه هي المشكلة مع محمد حسنين هيكل مسؤولاً وكاتباً وإنساناً؛ إذ تستغله (قناة الجزيرة) لأهدافها المعروفة أسوأ استغلال في حوارات عبثية. لا أدري هل أدرك (هيكل) بما جُرَّ إليه حجمَ ما يقترفه من أخطاء بحق نفسه وتاريخه.
وغداً نواصل الحديث.. |