في البداية كنتُ قد عزمتُ على ألا أتناول هذا الموضوع خشية أن يُفسَّر بأنني من المتضررين، وخشية أن يُعتقد أن الهدف يتجاوز الإحساس بواجبي الاقتصادي الذي يفرض عليَّ تناول موضوعات ذات جدوى للقارئ الكريم. ولكن مع كثرة الرسائل الإلكترونية التي طالبت بالتعرُّض المنهجي لهذا الموضوع، ولكوني - ولله الحمد - لا أمتلك سهماً واحداً في النقل الجماعي، فقد وجدتُ من المطلوب أن نناقش مع زملائنا في شركة النقل الجماعي تداعيات التصريح الذي صدر عن الشركة بخصوص موضوع نقل الرمل إلى مملكة البحرين الشقيقة. فقد تابعنا في الأيام القليلة الماضية التصريح الغريب الذي نُسب إلى رئيس مجلس إدارة شركة النقل الجماعي بخصوص إسناد مهمة نقل الرمل من المنطقة الشرقية إلى مملكة البحرين الشقيقة. ووجه الغرابة يكمن في العبارة الخطيرة جداً التي قد يراها البعض تعكس واقع إدارة الشركة وتفسِّر الأسباب التي تقف وراء عدم قدرة الشركة على مواكبة الحاجة الملحة للنقل داخل المدن وبين مدن ومناطق المملكة المختلفة. دعونا في البداية ننقل من موقع تداول التصريح الناري: (صرَّح سعادة رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للنقل الجماعي المهندس عبد الله بن عبد الرحمن المقبل أن اللجنة المشكَّلة من وزارة البترول والثروة المعدنية ووزارة المالية وصندوق الاستثمارات العامة ووزارة النقل قد أنهت الترتيبات اللازمة لقيام الشركة السعودية للنقل الجماعي بنقل الرمل والبحص من المنطقة الشرقية إلى مملكة البحرين الشقيقة، وذلك من المحاجر المرخَّص لها من وزارة البترول والثروة المعدنية. وستقوم الشركة بالمباشرة بنقل هذه المواد عن طريق الشاحنات المخصَّصة لذلك، ولم تتمكَّن الشركة من دراسة الأثر المالي للمشروع على الشركة). فوفقاً لهذا التصريح فإن الشركة قد وافقت على القيام بهذه المهمة التي تتطلب التزامات مالية وإجراءات إدارية دون أن تتمكن حتى تاريخ التصريح من معرفة المردود المالي المتوقع على موقفها المالي وربحيتها السنوية. وهذا بلا شك لا يتوافق مع أبجديات إدارة شركات المساهمة التي يُفترض أن يقوم فيها مجلس الإدارة نيابة عن المساهمين باتخاذ القرارات الاستثمارية التي تحقِّق أكبر عائد ممكن خلال فترة زمنية محدَّدة. وهذا التصريح لا يعكس مطلقاً هذا التوجُّه؛ لكون إدارة الشركة لا تعرف حتى تاريخه طبيعة المردود المالي ربحاً كان أم خسارة. فمن المعلوم لدى جميع المستثمرين والاقتصاديين أن دراسات الجدوى الاقتصادية تحدِّد على الأقل الآفاق المستقبلية لأي مشروع استثماري، وبالتالي فإن مجلس الإدارة بموجب عقد التفويض الذي منحته الجمعية العمومية للشركة ملزم بإجراء هذه الدراسات وتحديد اتجاهات الربحية لأي توسُّع استثماري في المستقبل. وهذا ما لم يتحقق وفقاً للتصريح الغريب أعلاه، على الأقل حسب ما تؤكِّده العبارة الغريبة التي ختم بها التصريح. أما إذا كانت الشركة قد وافقت على هذه المهمة استجابة لمؤثرات غير اقتصادية فإنها بذلك تخالف نصوص عقد التأسيس والتفويض والإدارة ما لم يحصل مجلس إدارة الشركة على موافقة الجمعية العمومية التي أشكُّ أنها تقبل أن تذهب استثماراتها في مشاريع ذات غير جدوى اقتصادية ما لم تكن طبيعة الشركة تقوم على منطلقات خيرية واجتماعية. والذي أكاد أجزم به هنا هو أن حكومة هذه البلاد التي تعوَّدت على العطاء المتواصل لمواطنيها لا يمكن أن تكلِّف الشركة بمهمة مجهولة المصير المالي دون أن تراعي مصالح المساهمين، وبالتالي فإن فرضية إلزام الشركة بالمشروع تعتبر في عداد المرفوض من المفسِّرات لهذا التصريح الغريب والخطوة الاستثمارية المجهولة التي تعتزم شركة النقل الجماعي القيام بها. بقي أن نقول: إن مثل هذا التصريح قد أفسد على الكثير من المساهمين فرحتهم، بل وعرضهم لخسائر كبيرة نتيجة تدافعهم للتخلص من أسهم الشركة بعد أن أكد لهم التصريح أن شركتهم مُقدِمة على القيام بمشروع استثماري مجهول الهوية، وأفسد عليهم توقعاتهم بقرب تحسُّن موقف هذه الشركة التي طال أمد مراوحتها للمكان على الرغم من الفرص العديدة التي منحت إياها في الماضي والحاضر. وأخيراً لعلِّي أتساءل عن جدوى مثل هذه العبارة وجدوى مثل هذا التصريح في هذا الوقت بالذات، وخصوصاً أن الجميع كان يترقب إعلان الشركة الإيجابي. كل ما أخشاه هو أن يكون الخاسر الأكبر صغار المستثمرين في سوق الأسهم الذين لا يمتلكون المعلومة الدقيقة ولا إمكانية الانتظار والتأثير في السوق كما هو حال الهوامير، وقانا الله وإياكم مخاطرهم. وكل ما أتمناه هو ألا يكون الهدف من التصريح هو التأثير في سعر السهم في سوق الأسهم دون اعتبار لصغار المستثمرين الذين لا زالوا الطعم الشهي لهوامير السوق وصناديق الاستثمار. رسالة نحتاج مع نمو سوق المال لدينا إلى مراقبة دقيقة لطبيعة إدارة الشركات، وإلى الابتعاد عن المجاملات الإدارية والاجتماعية؛ حتى نستطيع أن نحافظ على مصالح المساهمين ونحقِّق لاقتصادنا الوطني شركات ناجحة لها قدرة تنافسية محلية وإقليمية ودولية.
|