Saturday 25th June,200511958العددالسبت 18 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الطبية"

إضاءةإضاءة
قراءات من العالم المتحضِّر
د. محمد غياث التركماني

إن الطب ليس علماً طبيعياً فقط، سواء بمفهومه النظري أو التطبيقي؛ فالطب يقع في مجال العلوم الاجتماعية أكثر من أي مجال آخر؛ لأن الهدف الرئيس للطب هو اجتماعي؛ فالطب يعمل على ترقية الصحة والوقاية من المرض ومن ثَمَّ يعمل على حفظ توازن الأفراد مع البيئة كأعضاء أصحاء نافعين في المجتمع. وكي نقول: إن هذا المجتمع صحيح صحياً، لا بد أن نعمل على مكافحة الأخطار الصحية ومعالجتها لمنع المضاعفات والاختلاطات والعجز. وهذه الأخطار بلا شك تنعكس سلباً على جميع أفراد المجتمع، وعادة ما يتلازم التحضر الاجتماعي لمجتمعٍ ما مع الأداء والمستوى الطبي لهذا المجتمع. وسأضرب لكم مثالين عن التحضر الطبي في واقعنا العربي وواقعهم الغربي:
الأول: لما كنتُ أدرس في كلية الطب بجامعة حلب أذكر أن أستاذ مادة الطفيليات، وهو علم يختص بالممرضات الحيوية المتطفلة على جسم الإنسان كالديدان مثلاً، دخل علينا يوماً وسألنا هذا السؤال: ما مقياس التمدن والتحضر لمجتمعٍ ما؟ لم يكن يومها لدينا جواب واضح وصريح على هذا السؤال. ثم أردف الأستاذ قائلاً: صحيح أن سوق السيارات قد ضخَّت ثلاثين ألف سيارة جديدة في مدينة حلب وحدها خلال عام واحد، وهذا قد يعتبره البعض مقياساً حضارياً، لكن المقياس الصحيح أن أكثر من 80% من سكان هذه المدينة لديهم ديدان الشعريات الدقيقة TRICHURIS TRICHURA في بطونهم. وهذا ليس بالمستغرب أن تراه في بلادنا ما دُمنا من مجموعة البلاد الآخذة في التطور والتحضر.
والمثال الثاني: لا ريب أن الولايات المتحدة الأمريكية بلد متحضر ومتقدم صحياً، لكن الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس مثلاً تشكِّل هاجساً قوياً لدى المعنيين بالصحة من سكان تلك القارة، وينبع هذا الهاجس لديهم إذا علمنا أن 50% من الشعب الأمريكي دون سن الـ 35 سنة قد أُصيب بمرض جنسي واحد على الأقل، وأن 25% من طلاب المدارس قبل التخرج يُصابون بمرض جنسي واحد على الأقل، وأن حوالي 45 مليون أمريكي (20% من مجموع السكان) مصابون بفيروس الهربس التناسلي (2)، وأن 2% من مجموع سكان الولايات المتحدة الأمريكية مصابون بالتهاب الكبد الوبائي C، وأن هناك أكثر من 40.000 إصابة جديدة بمرض نقص المناعة المكتسب (الأيدز) تُسجَّل سنوياً. فما بالك يا عزيزي بالحالات غير المسجَّلة أيضاً. والمعروف أن المصدر الرئيس لانتشار هذه المجموعة من الأمراض هو الدعارة والشذوذ الجنسي وإدمان المخدرات. فتصوَّر أي نوع من التقدم والتحضر هذا يرعاك الله.
هل هذا حقاً عالم متحضِّر؟! أفبهذا العالم أنتم مُعجَبون؟! وعلى خُطى حضارتهم سائرون؟!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved