* الأخ الدكتور علي بن إبراهيم النملة، رجل ودود كريم لطيف متواضع، فيه هذه الخصال الحميدة وغيرها مما لا أعرف، وهو سريع الإيلاف للناس، ومرد ذلك خلقه العالي، وحين يأنس بأحد يأخذ في مباسطته، فيقول مثلاً: النملة كائن بسيط صغير الحجم.. وكنت في بعض الأوقات أسايره، ولكن أظهر قوة النمل وتعاونه وما أودع الله فيه من مهارة، مثل تخزين غذائه في الصيف لمونة الشتاء، وأن هذا المخلوق الذي يصفه بالضعف فيه خصائص قد لا توجد في غيره، خذوا مثلاً قول تلك النملة لفئات جنسها، وهو حرص في الاحتياط في هذه الحياة، والكتاب العزيز يقص علينا قولها: { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (18)سورة النمل. وحين سمع نبي الله سليمان عليه السلام مقولتها: (تبسم ضاحكاً)، لعله إعجاب بهذا الحرص والتنبه إلى الخطر من تلك الجيوش التي فيها الجن والإنس والطير التي حشرت لسليمان، فهم - يوزعون- أي: يوقف أوائلهم لتلحقهم أواخرهم.. * وقد أفضل الكاتب الوزير بإهداء كتابه: (الشرق والغرب)، إلى مكتبة النادي، وصحبته معي في إحدى رحلاتي إلى تونس الخضراء، وأتيح لي مطالعة بعضه، فوجدت فيه آراء خليقة بالوقوف عندها ومعالجة ما أتت عليه، لا سيما في نقل وبث خصائص وفضائل الإسلام من عدل وتسامح وقيم ورحمة.. والأمة الإسلامية مقصرة في رسالتها ولا سيما القادر منها، إذ ينبغي إعداد رجال علماء فيهم عمق لغة القوم الذين يخاطبونهم، بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلتهم بالتي هي أحسن كما يعلمنا الكتاب العزيز.. ولست أعني علماء زائرين لفترات قصار، وإنما ديمومة لسنوات، ويحل مكانهم أمثالهم حين يعودون إلى أوطانهم.. وفي الغرب ألوف من المسلمين، أكثرهم ذهب ليعيش من عمله وكده، وهؤلاء غير مكلفين لبث الدين الإسلامي إلا بخصلة واحدة هو -السلوك-، أما التحدث باسم الدين فهذا وظيفة العلماء المتخصصين في الشريعة بعامة، في التفسير والحديث وأصول الفقه والتاريخ.. إلخ. * إن الصورة القائمة للإسلام في الغرب مشوهة، لأن الذين يتحدثون من المتعايشين ليسوا فقهاء ولا علماء، وهم إذا تحدثوا عن الإسلام، فإنهم لا يحسنون الحديث، وربما أساؤوا ولا سيما حينما يختلفون مع بعضهم بعضاً خلال جدل عقيم أمام الغربيين، فيسيئون أكثر إلى الإسلام، وكانوا جديرين بالصمت وألا يبدو منهم إلا سلوكهم الذي إذا جمل، فإنهم يُحترمون ويحترم بالتالي الدين الذي ينتسبون إليه.. لكن العلماء ينقلون الصورة المشرقة للدين الحق، والإسلام لا يُكره أحداً على الانتساب إليه من غير أهله.. وبقدر تقصير المسلمين ممثلاً في حكوماتهم في بث الدين القيم، ففي كل يوم نسمع ونرى أنماطاً من الغرب والشرق، رجالاً ونساء يعتنقون الإسلام، ذلك أنهم وعوه فعرفوه بمُثله وقيمه، ولم يكن على الأرض دين فيه خصائص الإسلام في كل شيء، للدنيا والآخرة، لذلك دخلوا فيه عن رضا واقتناع، فأراد الله بهم خيراً، وسعدوا بما أقدموا عليه.. * كم أتمنى أن أرى وأسمع أن الدول الإسلامية الغنية، توجهت وتتوجه إلى بث الإسلام السمح في كل بقعة من بقاع الأرض، وأن يكون حاملوه قدوة حسنة ومثلاً.. لأن الإسلام لا يمثله أطياف مهما كثروا إلا بمسلك واحد هو الاستقامة، أما بث روحه وقيمه ويسره وسماحته وخلقه وعدله، فلا يؤدي ذلك إلا علماء الإسلام.. تلكم هي رسالتنا إلى الغرب والشرق، نقل هذا الدين، وقد كان أنماط منا في عصور سابقة نقلوا الإسلام دين الفطرة إلى غيرهم في آسيا وأفريقيا مثلاً، فآمن به من هداه الله.. واليوم وثم القدرات وسبل البث السريعة، الحال أيسر، إذا أحسنا هذا السبيل، وأردنا بها وجه الله، فإن الإسلام سيصبح بمشيئة الله دين العالم- بفتح اللام -، لأن المستقبل للإسلام، مهما حُورب وتكالبت عليه قوى الشر، فالحق أقوى في كل زمان ومكان. * لا أزعم في هذه الكلمة العابرة، أنني تحدثت عن كتاب أخي الدكتور علي النملة، وإنما وددت التوقف عند نقاط أشار إليها الكاتب، لعل أهمها، كيف ننقل الإسلام الصحيح إلى الغرب، وأن أنماطاً كثيرة من المنتسبين إليه لا يحق لهم التحدث عن الإسلام، لأنهم ليسوا أهلاً للدعوة وليسوا صوتاً للإسلام، إلا بخصيصة واحدة إذا تمثلوها وهي الاستقامة مع الإيمان بالله.. * أرجو إذا أتيحت لي وقفة أخرى أن أبث حديثاً عن ثناياه، فيما تعرض له من قضايا، نحن نعيها، ونحن نغفل عنها، لأنّا مشغولون بالدنيا وحدها، ولكنا مسؤولون أمام الله عن تقصيرنا في نقل رسالة الإسلام إلى العالم في كل مكان، وأن تقصيرنا محسوب علينا، وسوف يسألنا الله عن ذلك في يوم الحساب الطويل.. إن الذين يكتبون، والذين يتحدثون عما يجب أن ننهض به، فإنهم يذكِّرون، والذكرى تنفع المؤمنين كما يعلمنا كتابنا الذي سيكون حجة لنا إذا أدينا ما علينا من واجبات إسلامية ونحو الإسلام، وعلينا إذا قصرنا في ذلك، والله المستعان..
|