يُروى هذا المثل عن الحارث بن عُباد ابن قيس بن ثعلبة وكان ذا مكانةٍ وملكٍ في قومه، حيث طلَّق بعض نسائه من بعد ما تجاوز في العمر وأصابه الخَرَف، فتزوجها بعده رجلٌ كانت تظهر له من الموَّدة والحب ما لم تكن تظهره لزوجها (الحارث) من قبل، فلقي زوجها الحارثَ ذات يوم فأخبره بمنزلته الكريمة من زوجته، فقال له الحارث: عِشْ رَجَباً تَرَ عجباً. والمعنى: عش رَجَباً بعد رَجَب، فسيظهر لك في الحياة العجب. هذا المثل يتجدَّد، لا يمكن أن يَبْلَى معناه، ولربما كان كل إنسان بحاجة إلى الاستشهاد به ذاتَ يوم، لأن الحياة في مسيرتها المتجدِّدة لا يمكن أن تخلو من العجائب، في كل الجوانب، فمن قدر الله له فيها عَيْشاً طويلاً، فسوف يرى من تقلُّب أحوالها ما يثير العجب.حينما تقرأ مقالات بعض الكتاب الذين تعيش أقلامهم على السبِّ والشتم والنَّيْل من الآخرين، والتعصُّب للنفس و(الشِّلّة)، والتهوين من نجاحات الآخرين، وانتقاد الآراء المتوازنة، تشعر - حينها - أنك تردِّد قول الحارث بن عُباد (عِشْ رَجَباً تَرَ عجباً). الكاتب الذي يشرب قلمه نَجِيعَ الحقد، والرؤية السوداوية، والرأي المتذبذب، وسوء الظن المجحف بالآخرين، يجني على نفسه من حيث يظن أنه ينفعها، ويهبط بحروفه وكلماته من حيث يظن أنه يرفعها، ويمزق أفكاره من حيث يظن أنه يجمعها، وهنا يكمن مقتل الكتاب الذين فتحت لهم أبواب النَّشر عن طريق مَنْ يحلو لهم التقوقع في شلليَّة ضيّقة، يتحركون في إطارها متوهمين أنها الأفق كله، والكون بأسره، غافلين عن كونها دائرة ضيقة لا يتحرك فيها إلا من يتقوقعون على أفكار هزيلة مستوردة، لولا ضجيج الإعلام لما سمع الناس لها صوتاً ولا صدى. (الكتابة مسؤولية كبيرة) هذه العبارة مهمة جداً، ولكنَّ بعض كتاب التقليعات قد لا يتورَّع أن يصفها بأنها (تقليدية) ليس فيها جديد، ولربما امتدح -من أجل وهم الجديد - عبارة (الكتابة تمرُّدٌ وجموح) دون أن يتوقف قليلاً لتحديد معنى التمرُّد والجموح. إنَّ عجائب الناس عبر العصور المتعاقبة كثيرة، ولكنَّ عجائب هذا العصر أكثر لأنه عصر السرعة، عصر الوسائل المتطورة في النقل والإعلام، عصر المجاهرة بالفكر المنحرف، والمكابرة به، عصر الانفجار المعرفي الذي نراه يقود الإنسان المعاصر إلى وهم القوة التي لا تُقْهَر والثقافة التي لا تُحْصَر، والفكر الذي لا يرتبط بضوابط الدين، ولا بتعاليم شرع رب العالمين. هنا يبرز أمام أعيننا المثل العربي: عِشْ رَجَباً تَرَ عجباً. إشارة:
كلُّ الضَّلالات أقدام ومنهجنا رأسٌ فكيف نسوِّي الرأسَ بالقدم |
|