Saturday 25th June,200511958العددالسبت 18 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

المنشودالمنشود
النجاح الفاشل2-2
رقية سليمان الهويريني

أظهرت في المقال السابق استيائي من نتائج امتحانات التعليم العام، ما دون الثالث الثانوي. ولئن كانت تلك النتائج (لم يرسب أحد) ونسبة المائة- بالمائة تبرق فوق هامة المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية - إلا من أبى - فإن الحقيقة المرة أنه نجاح فاشل!! فكيف يتساوى طالب جد واجتهد مع طالب لعب واستهتر وأشقى معلميه خلال عام دراسي كامل وسخر بهم بعد ظهور النتائج؟! فكأني به وهو يحرك حاجبيه باستهزاء ويقول: نجحت يا أستاذ!!
أقول ذلك ومكاتب الإشراف التربوي تتلقى التهاني من وزارة التربية والتعليم التي ما فتئت تشكرهم على جهودهم وكدهم ومتابعتهم للمدارس طيلة العام الدراسي، أما الطلاب فتراهم يزهون بنتائجهم أمام أسرهم وأقاربهم. وأولياء الأمور يحمدون ربهم حيث لم يضع لهم تعب!! وتجد محلات الحلويات تعج بالمشترين لحلاوة النجاح، وكعكات الفرح والفلاح!! وكل مستفيد إلا الحساد (بنظرهم) الذين يودون اغتيال الفرح من قلوب الكسالى، والعياذ بالله من الحسد!!
وإن كنت أتندر على نجاح الفاشلين فإنني أتعجب من رسوب المثابرين، وأعني بذلك طلاب الثانوية العامة الذين نقلت الصحف معاناتهم، ووصفت مشاعر أسرهم وهول الصدمة التي منوا بها في اختبار مادة الرياضيات.. وما بين وهم الفرح في مراحل التعليم وحقيقة الألم والأسى في الثانوية العامة يظهر لنا البون الشاسع في التعامل مع الفريقين، وربما السبب الذي أدى لهذه الصدمة هو الوهم أو التدرج التلقائي (المريح) في سلم التعليم الذي عبّرت عنه في المقال السابق وشبهته بالسلالم الكهربائية التي عودتنا الكسل والرخاوة والخمول؛ على اعتبار أن السلم التعليمي هو الذي يسير والطالب يسير تبعاً له على مدى أحد عشر دوراً (عاما دراسيا) وقبل الوصول للدور الثاني عشر يتفاجأ الطالب بانتهاء السلم الكهربائي، بل وحتى الدرج العادي فيطلب منه الصعود بالحبال على علوٍ شاهق وارتفاع في درجة الحرارة، ولا أخالك إلا مشفقاً حين ترى شاباً متورطاً حيث إنه لم يعتد الصعود إلا من خلال سلم كهربائي في جو مكيف وفجأة يجد نفسه ودون سابق معرفة أو إنذار، أمام خيارين: إما أن يحاول الصعود دون تدريب أو يهوي إلى الأرض، وفي الحالتين قد يسقط من بعد أحد عشر طابقا وتتقبل أسرته فيه العزاء، وهذا ما حصل بالفعل في إجابات الطلبة والطالبات، إما راسب أو غاش، أو نجاح قريب من الرسوب، و (المقبول) أقرب للراسب بلا شك، والفارق بينهما درجة واحدة فقط.. بينما الفارق بينه وبين الامتياز أربعون درجة!! وكلاهما - للأسف - ناجح!! ولو أحسنت وزارة التربية والتعليم ولم تترك الحبل على الغارب، وجعلت الصعود بالحبال في السنوات الأولى حين يكون المكان منخفضاً والجسد خفيفاً، ومن ثم يمكن استخدام الدرج العادي وبعدها يستخدم السلم الكهربائي من يستحق!! الذي يستحق السلم الكهربائي حقاً.. هو ذلك الطالب الذي حاز الدرجة النهائية في مادة الرياضيات وما تلاها من مواد! وللحق.. فهذا الطالب ليس وهماً بل هو حقيقة و (سأشيد به في مقال خاص حين تظهر النتائج) لأنه بالرغم من نحيب زملائه الطلبة وعويل أسرهم كان مطمئناً؛ يذاكر مادة الغد، أتدرون لماذا؟؟ لأن بدايته كانت صحيحة! صعد بالحبال في السنوات الأولى ثم الدرج العادي في السنوات التالية، وربما لم يجرب السلم الكهربائي حتى هذه اللحظة بل أكاد أجزم أنه لم يستخدمه قط، فهو لا زال نشيطاً رشيقاً!! فمثله تعوقه السلالم الكهربائية فهي وإن كانت مريحة إلا أنها - على كل حال - بطيئة.
وفضلا عما قرره النظام: الاكتفاء بالحصول على 28% لتحقيق النجاح، فإن إدارات المدارس في سعيها الحثيث ومحاولاتها مساعدة الطلبة على النجاح دون أحقيتهم له، ومباركة مكاتب الإشراف التربوي لهذا الأمر حتى تمادوا فيه، وصمت أو قبول وزارة التربية والتعليم لهذه النتيجة المخجلة.. يعد طعنة في خاصرة التعليم بل ضربة قاضية في مستقبل الوطن وتنميته.
إن النظر للكم دون الكيف في تخريج طلبة فاشلين أكاديمياً، مدللين أسرياً، خاملين عملياً، هو التخلف بعينه!! وإن كانت الوزارة سعت لتوفير منهج مناسب ومعلم مؤهل تأهيلاً سليماً فإنه يبقى الأهم وهو السعي لتخريج طالب مسلَّح بالعلم النافع، مزود بالمعرفة الصحيحة، متحمل للمسؤولية، غير مستهتر بمنهج أو ساخر من معلم، أو ساخط من نور العلم!!.. ذلك النور الذي يضيء طرقاتنا ويدير مصانعنا ويروي ظمأنا ويسيِّر مركباتنا. وإن تحقق الهدف.. فذلك هو النجاح الناجح!!

ص.ب 260564 الرياض 11342

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved