Saturday 25th June,200511958العددالسبت 18 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

أعداء الإسلامية Anti-Islamicأعداء الإسلامية Anti-Islamic
د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني*

لا ينكر أحد أن معاداة الإسلام والمسلمين في بعض أوساط الغرب كانت موجودة منذ أمد طويل، وانعكس ذلك في الحروب الصليبية، وفي كتابات بعض المستشرقين المشوهة لتاريخ الإسلام ومفاهيمه وشريعته وقيمه، ولكن هذا الاتجاه بدأ يتزايد بعد إنشاء دولة إسرائيل، وتوجه الصهاينة لحشد كل القوى الغربية لتأييد إسرائيل واستعداء القوى الغربية الفاعلة ضد الإسلام والمسلمين الذين يقفون في وجه التوسع الإسرائيلي، ورغم كل ما بُذل ويُبذل في سبيل تحجيم الإسلام والمسلمين فإن الإسلام كان ولا يزال وسيظل أسرع الأديان انتشاراً في العالم، وربما كان من أهداف الحادي عشر من سبتمبر - إن صحت نظرية مَنْ يرون أنها مفتعلة ووراءها جهود استخباراتية - إيقاف انتشار الإسلام وخاصة في الغرب، وفي الولايات المتحدة بشكل أخص، وفتح المجال أمام إغلاق جميع النوافذ التي يمكن أن ينتشر بواسطتها الإسلام، وإلصاق مفهوم الإرهاب به وبأتباعه، ولكن وكما يقال (رب ضارة نافعة)، ففي مسح اجتماعي تبين أن 25% من الأمريكيين الذين يستخدمون الإنترنت يستخدمونها في البحث عن معلومات عن الإسلام، وقد نفدت جميع المطبوعات الموجودة في المراكز الإسلامية في أمريكا، ولم يبقَ أحد في مشارق الأرض ومغاربها لم يسمع ويحاول أن يحصل على معلومات عن الإسلام، وقد تزايدت أعداد الداخلين في الإسلام في كثير من الدول وخاصة في اليابان والصين، وفي كثير من الدول الغربية، حتى أن البعض يرى أن جهاد الطلب أصبح ساقطاً لعدم الحاجة إليه، فبالإمكان الوصول إلى جميع الناس في العالم بواسطة القنوات الفضائية وبواسطة الإنترنت، ورغم أن المسلمين يعيشون مرحلة ضعف وتفكك، وفقر، ولا يبذلون جهوداً تذكر لنشر دينهم، ورغم أنهم من أشد الأمم معاناة من الحروب والتهجير واللجوء والظلم والفقر، رغم كل ذلك فإن العداء للإسلامية آخذ في التزايد، ولعلي هنا أضرب مثلاً واحداً لأفكار كاتب فرنسي وُلِدَ في الجزائر، ويحمل بين جنبيه حقداً أعماه عن رؤية الحق والعدل، وساقه إلى تشويه الحقائق، واختراع الافتراءات والأكاذيب على الإسلام والمسلمين. ذلكم هو (لوران أرتور دو بلسيس) في كتابه (الإسلام والغرب.. الحرب الشاملة) الذي يقع في 216 صفحة ونشر في عام 2004م، الذي يرى أن ما يسميه بالإرهاب الإسلامي يتقدم ولا يتراجع منذ أحداث سبتمبر، وأن التمرد في العراق ينشط تحت (لواء الإسلام)، وهو تمرد يقتل جنود التحالف والعراقيين الذين يتعاونون معه، وبتخريبهم أنابيب النفط واستهدافهم عمال الشركات النفطية يريد (الإسلاميون) - كما يسميهم - خلق صدمة نفطية لإجهاض الانتعاش الاقتصادي العالمي. فالمقاومة عنده تمرد، والضحية هو الذي يلام، والسبب وراء كل ما يجري هو (الإسلام) وليس الاحتلال، وحتى المعتدلين في العالم الإسلامي لا يعجبون (دو بلسيس)، حيث يشبههم بهتلر الذي لم يبادر الفرنسيون والإنجليز للقضاء عليه مبكراً، ويرى هذا الكاتب المعادي للإسلام أن الإسلام اليوم مثل بداية انتشاره هو مصدر العنف!!! ورغم أن الأمريكيين يعترفون بأنَّ مَنْ يسلم في السجون الأمريكية لا يعود للجريمة مرة أخرى، فإن هذا الكاتب الحاقد يرى أن السجون أحد أهم أماكن الدعوة الدينية التي تستخدمها الشبكات الإسلامية الدولية لتجنيد شباب للجهاد على استعداد لتفجير نفسه. والأغرب من ذلك أن يقول (إن العالم الإسلامي يكره اللبرالية والديموقراطية وحقوق الإنسان والعلمانية)، وإذا كان مفهوم اللبرالية مفهوم غامض، وإذا كانت العلمانية مضادة للدين، فلا أدري كيف يكره المسلمون الديموقراطية وحقوق الإنسان، ودينهم يعتبر أعظم مصدر لتقرير حقوق الإنسان، وحريته في اختيار معتقده. والكاتب يكن عداءً واضحاً للإسلام والمسلمين، ويغلف ذلك بدعوى العداء للحركات الإسلامية المتطرفة، ويعيب على العالم الإسلامي (أنه لم يقبل أبداً وجود القوى الاستعمارية الأوروبية في دار الإسلام) وكأنه بهذا يشير إلى الجزائر التي وُلِدَ فيها ونالت استقلالها بعد أن ضحت بأكثر من مليون شهيد. إن (العداء للإسلامية) أعمى هذا الكاتب عن التعاون والتقارب الذي تم بين كثير من الدول الإسلامية والغرب وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وإن العالم الإسلامي كان مفعولاً به خلال القرنين الماضيين تقريباً. ولم يذكر هذا الكاتب المعادي للإسلامية معاناة المسلمين في فلسطين، وفي كشمير، وفي البوسنة والهرسك، وفي غيرها من البؤر الملتهبة في العالم الإسلامي.
لقد تزايد العداء للإسلام والمسلمين إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ووجد الصهاينة ومن يسير في فلكهم في هذه الأحداث مناسبة وفرصة تاريخية لدق إسفين بين العرب والمسلمين من جهة والغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخرى، وتزايدت حملاتهم المضللة على الإسلام، وعلى الدول الإسلامية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي شهد لها الكثير من المفكرين والمحللين السياسيين الغربيين بأنها تمثل الاعتدال في العالم الإسلامي، وأنها عنصر فاعل من عناصر الاستقرار في العالم.
إن العداء للإسلامية أصبح بديلاً للعداء للسامية، إذا كان هناك فعلا عداء للسامية، وفي خضم هذا العداء الأعمى يتم تجاهل الحقائق، بل يتم تشويهها ويتم الافتراء واختلاق الأكاذيب وخلط الأوراق، ووضع كل من ينتمي للإسلام والمسلمين في سلة واحدة، ومحاربة كل ما يمت إلى الإسلام بصلة من قيم وعبادات ودور عبادة وأقليات، ومحاولة زرع الكره والبغض في نفوس الغربيين ضد العالم الإسلامي، وضد الإسلام. ولا يخفى أن المستفيد الوحيد من هذه الحملة هم الصهاينة ودولة إسرائيل، وأن الخاسر الأكبر هم المسلمون والغرب.
ولا نستطيع هنا تتبع كل ما يكتب ضد الإسلام والمسلمين، ولكن نقدم نماذج مختارة منها؛ فقد كتبت (باربرا أميل) وهي يهودية وزوجة لصاحب صحيفة (التلجراف) البريطانية (المسلمون المتطرفون يملكون أسلحة عصرية، والدول الإسلامية إما أنها تدعمهم، وإما أنها على الأقل تؤيدهم فيما يقومون به، وهؤلاء لهم هدف واحد، وهو تدمير الحضارة الغربية، إزاء ذلك يجب أن نضعهم في مربع الأعداء، وأن يطردوا من الأمم المتحدة، وإذا تقاعست الأمم المتحدة عن ذلك فينبغي أن تلجأ الولايات المتحدة إلى طردها هي ذاتها من أراضيها. وفي الوقت الذي ينبغي أن يمنع الجهاد، يجب أن نطالب المجالس الإسلامية بإدانته، وكذلك بإدانة هذا التعظيم لموضوع الجهاد في الكتب المدرسية والمساجد)؛ فهي ترى أن جميع المسلمين يسعون إلى تدمير الحضارة الغربية بطريق مباشر أو غير مباشر، وهذا افتراء وكذب لا يقوم عليه دليل، فعلاقات معظم الدول الإسلامية مع الغرب علاقات جيدة، وكثير من الشباب المسلم تعلم في جامعات غربية. وترى هذه اليهودية المعادية للإسلام والمسلمين أن يوضع جميع المسلمين في خانة واحدة هي خانة الأعداء، وتطالب بطردهم من الأمم المتحدة. إنها تسعى لخدمة إسرائيل في المقام الأول باستعداء الغرب ضدهم، كما تسعى إلى تغيير الثقافة الإسلامية، فأين الدعوة لمنع الجهاد عندما كانت تتم تغذيته وتشجيعه في الحرب ضد الشيوعية؟!
ويصل العداء للإسلام وللإسلامية ذروته عند أحد محرري مجلة ناشيونال ريفيو الذي يقول: (إنني أقترح أن تُضرب مكة بقنبلة نووية، ويكون ذلك بمثابة إشارة إلى المسلمين)، ويرى (أن بغداد وطهران هما الأقرب لتلقي الضربة النووية الأولى، وأنه لو كانت لدينا قنابل نظيفة، تضمن حصر الدمار في نقطة الهجوم، لوضعنا غزة ورام الله على القائمة أيضاً، ويجب أن نحذر دمشق، والقاهرة، والجزائر، وطرابلس، والرياض، من خطر الإبادة النووية، إذا ما أظهروا أية علامة للاعتراض). ولا أدري ماذا يمكن تسمية هذا المنطق إن لم يكن قمة الإرهاب والتطرف فمكة قبلة المسلمين، بلد السلام والإسلام، وتحكمها دولة هي ضحية من ضحايا الإرهاب، وهي من أوائل من أدانه وتبرأ من فاعليه، وتربطها علاقات صداقة مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن توجد دولة إسرائيل.
إن هذا الصهيوني المتطرف لو ملك القنبلة النووية لاستخدمها ضد الأبرياء لا لشيء إلا لحقده وكراهيته لكل ما هو إسلامي، فهو يرى تحذير أهم عواصم الدول العربية من خطر الإبادة النووية، ولو وجدت القنبلة الذكية لدمر بها الفلسطينيين في غزة وأريحا!! فلا يكفي ما عانوه ويعانونه من احتلال أراضيهم، ومن قتل للشيوخ والأطفال والنساء ومن تدمير للمنازل والممتلكات والبيئة، فهو يريد أن يريحهم من معاناتهم بقنبلة نووية نظيفة!!
إن هذا العداء للإسلام والإسلامية هو الذي يشكل الخطر الأكبر على السلام في العالم، فالإرهاب لا دين ولا وطن ولا ثقافة له، وهو موجود في كل مكان وزمان، ولكن أعداء الإسلام والمسلمين لا يتورعون عن إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام وذلك لحاجة في نفس يعقوب، ولا أعتقد أنها تخفى على الحكماء والعقلاء في الغرب الذين يُعول عليهم في محاربة هذا الظلم وهذا التطرف وهذا الغلو في استعداء الغرب ضد الدول والشعوب الإسلامية.

* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
فاكس 012283689

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved