Wednesday 22nd June,200511955العددالاربعاء 15 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة ورئيس قضاتهاالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة ورئيس قضاتها
د. عبدالله بن سعد الرويشد / الرياض

كنتُ أسيرُ في أحد شوارع العليا الواسعة الجميلة، وبينما أنا أترجل في هذا الحي الذي يعتبر من أرقى الأحياء الجديدة بالرياض العاصمة فإذا بي أرى مدرسة تحمل هذا الاسم: (مدرسة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ)، فوقفت أتأمل هذه المدرسة، فتذكرت والدنا وشيخنا وأستاذنا الذي تحمل هذه المدرسة اسمه الكريم، وحدثتني ذاكرتي بعظمة هذا العالم الكبير والمكان الذي كان يملؤه سماحته رحمه الله وأجزل مثوبته وأقعده مجالس الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، جزاء ما قدم من علم وتوجيه وإرشاد وحكم بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله وإفتاء على ضوء الكتاب والسنة المطهرة. لذا أحببت أن أكتب عن هذه الشخصية الإسلامية الكبيرة لأبنائنا الطلاب الذين قد لا يعرفون الكثير عن هذا الرجل، والرجال قليل، بل هذا العالِم العامل والعلامة الجهبذ والتقي العابد الذي كان يمثل جده الإمام المصلح المجدد الأول للعقيدة السلفية في العصر الحديث الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ إذ هو خليفته في حياته، فجدير بأجيالنا الصاعدة أمل الأمة وذخيرة المستقبل أن يدرسوا سير عظماء أسلافهم ليتأسوا بهم وينهجوا على منوالهم، فدراسة الشباب لمناقب هؤلاء الأعلام تملأ الأجيال المتأخرة روحاً تقدمية ونفساً طموحة إلى العلا.
لذلك يسرني أن أقدم هذه السيرة العطرة لنابتة بلادنا العزيزة المملكة العربية السعودية؛ لتكون حافزاً لهم للاقتداء بسماحته - رحمه الله - فقد كان ملء العين والبصر ومالئ الدنيا وشاغل الناس؛ إذ هو حديث المجالس والمنتديات، ففضيلته أمة وحده لما يتمتع به من علم غزير كالبحر وعقل كبير كجبل أحد وبُعد نظر وحكمة ودهاء وتدبر وتؤدة وخوف من الله ومراقبته والغضب له سبحانه وتعالى والغضب لرسوله عليه الصلاة والسلام ورجاحة عقل وقوة شخصية وقول كلمة الحق إذ لا يخاف في الله لومة لائم.. وأشكر وزارة التربية على تسمية هذه المدرسة باسم سماحته - غفر الله له - وهذا من الوزارة وفاء تشكر عليه؛ إذ قلَّ الوفاء في هذا الزمان مع الأسف، والوفاء من خلق الكرام، فيجب أن نكون أوفياء خاصة مع مثل هذا العالِم الجليل والعلامة العظيم أستاذ زمانه وعلامة عصره ومصره.. فأقول مترجما لسماحته رحمه الله:
نسبه: الإمام الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ استاذ الأجيال وشيخ العلماء ومفتي المملكة ورئيس قضاتها والرئيس والوالد والشيخ والمرجع لرجال العلم وطلابه.. فهو علم من أعلام الإسلام وشيخ من شيوخه المحققين المجتهدين في العلوم والمعارف الإسلامية والراسخين فيها، فهو عالم في التفسير والحديث والفقه والتوحيد وعلم الأصول ومصطلح الحديث والفرائض وعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وفقه اللغة العربية، فهو صاحب السماحة والفضيلة الشيخ محمد بن الشيخ ابراهيم بن الشيخ عبداللطيف بن المجدد الثاني للدعوة السلفية الإمام الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ حسن بن الإمام المصلح شيخ الإسلام والمجدد الأول للعقيدة السلفية في العصر الحديث الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعاً.. فقد كان علما من أعلام الدعاة والمصلحين ومن كبار فطاحل العلماء الذين قلما يجود بهم الزمن.
مولده: ولد في مدينة الرياض في اليوم السابع عشر من شهر محرم سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف من الهجرة، وكان مولده في بيت علم وفضل وتقى.
نشأته: نشأ رحمه الله نشأة دينية علمية كريمة، فحفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة وضبط القرآن وجوده، فقد أدخله والده العلامة الشيخ ابراهيم بن عبداللطيف وعمره سبعة أعوام بكتاب للمقرئ عبدالرحمن بن مفيريج، وكان والده قاضياً لمدينة الرياض ومن أكبر علماء نجد في زمنه، وعرف الشيخ محمد بن ابراهيم بالذكاء والنبوغ والتدين العميق وحب المطالعة وسعة العلم.. وكُفَّ بصره ولم يبلغ الرابعة عشرة من عمره، كما فقد والده الشيخ ابراهيم أيضاً عام 1329 هجرية وكان لذلك أشد الوقع في نفسه.
أساتذته وشيوخه: أخذ عن شيوخ العلماء في عصره، فقد شرع في طلب العلم في مختصرات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومبادئ النحو والفرائض وكتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ومختصرات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كالواسطية والحموية، وكذلك عني بمختصرات النحو والفرائض كالأجرومية والرحبية، وطلب العلم على والده الشيخ ابراهيم وعمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف رحمة الله عليهما، وقد شرع في طلب العلم والتحصيل على علماء الرياض زيادة على طلبه العلم على عمه وأبيه فدرس التفسير والحديث وأصولهما على الشيخ سعد بن الشيخ حمد بن عتيق فقد لازمه ملازمة طويلة، وفي النحو وعلوم اللغة العربية على الشيخ حمد بن فارس، وفي علم الفرائض والمواريث على الشيخ عبدالله بن راشد، وقد طلب من أخيه الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم رحمهما الله جميعاً تحضير المسائل والموضوعات العلمية واعداد الدروس.. ولم يزل على حاله في الاشتغال بالعلم وصرف جميع اوقاته في تحصيله فأدرك في زمن قصير ما لم يدركه غيره في الزمن الطويل، وكان أبرز تلاميذ عمه العلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، ولما مرض عمه الشيخ عبدالله واشتد به المرض أشار على جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمهم الله بابن أخيه الشيخ محمد بن ابراهيم لما يتمتع به من علم وعقل وأخبره بكفاءته العلمية إذ يصلح أن يخلفه بعد مماته في إمامة المسجد والتدريس وحل المشكلات القضائية إلى غير ذلك من المهام الجسام، فلما توفي عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف عام 1339 هجرية كان الشيخ محمد بن ابراهيم قد بلغ من العلم والتبحر فيه ما يؤهله للمكانة العلمية الكبيرة التي تنتظره، فعينه جلالة الملك عبدالعزيز خلفا لعمه في الزعامة الدينية والرئاسة العلمية وتولى ما كان يقوم به عمه من التدريس والافتاء وإمامة الجامع الكبير والخطابة فيه والتصدر في مجالس العلم، فالتف حوله الطلاب وشرعوا في القراءة عليه والاستفادة منه.. وقد رأى منه وفيه جلالة الملك عبدالعزيز الكفاءة والعلم والعقل لملء المكان الكبير الذي شغر بوفاة عمه، وقد استمر سماحته في هذه الأعمال العلمية الكبيرة الرائدة مدة خمسين عاماً من عام 1339هـ إلى عام 1389هـ، وقد تخرج على يديه أفواج من العلماء كثيرون شغلوا مناصب القضاء والتدريس والدعوة إلى الله والإرشاد، وتلاميذه يعدون بالمئات فلا يحصون عدا وحصرا ومنهم:
1- سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
2- سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد.
3- فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن قاسم جامع فتوى شيخ الإسلام أحمد تقي الدين ابن تيمية وصاحب المؤلفات المشهورة.
4- فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي الداعية الإسلامي في جنوب المملكة.
5- الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد رئيس هيئة التمييز بنجد والمنطقة الشرقية.. وغيرهم مئات.
مؤلفاته: لسماحته عدة مؤلفات أهمها:
1- مجموعة حديث في الأحكام مرتبة على أبواب الفقه.
2- مجموعة فتاوى تبلغ أربعة مجلدات جمعها ورتبها الشيخ عبدالرحمن بن قاسم.
3- رسائل ونصائح ومواعظ كثيرة لا تعد ولا تحصى موجهة للأمة الإسلامية جمعاء داخل المملكة وخارجها، وكان سماحته يقرض الشعر، فمن شعره بعض من قصيدة في رثائه لعلامة القصيم الشيخ عمر بن محمد بن سليم الذي توفي في السابع عشر من شهر ذي الحجة عام 1362هجرية بقوله رحمه الله تعالى:


إن المصيبة حقا فقدنا عمرا
أعظم بميته رزءا بنا كبرا
قطب القصيم وما دون القصيم وما
خلف القصيم وما مجرى القصيم جرى
عليه دار الهدى والحق بينه
كان الحياة وكان السمع والبصرا
ارزقه يا ربنا عفوا ومغفرة
واجبر مصيبتنا يا خير من جبرا

مناصبه: ومن المناصب التي أسندت لسماحته:
1- رئاسة القضاء لجميع أنحاء المملكة.
2- رئاسة إدارات الافتاء والدعوة والإرشاد.
3- رئاسة الكليات والمعاهد العلمية، فقد افتتح أكثر من سبعين معهدا علميا وعدة كليات إذ هي النواة الأولى لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
4- رئاسة الجامعة الإسلامية التي أسست بالمدينة المنورة عام 1381هـ، وبعد وفاة سماحته أسندت رئاستها إلى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
5- رئاسة المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي.
6- رئاسة المعهد العالي للقضاء.
7- رئاسة المجلس الأعلى للقضاء.
8- الرئيس الأعلى والمشرف العام على رئاسة تعليم البنات.
9- رئاسة دور الأيتام بالمملكة.
10- رئاسة معهد إمام الدعوة.
11- رئيس المعهد الإسلامي في نيجيريا.
12- رئاسة المكتبة السعودية بالرياض التي أنشئت بجوار مسجد الشيخ عبدالله بحي دخنه بالرياض عام 1370هـ.
13- الخطابة بجامع الإمام تركي بن عبدالله المعروف بالجامع الكبير لصلاة الجمعة وإمامة العيدين.
14- الإمامة بمسجد دخنه الكبير المعروف بمسجد الشيخ عبدالله مدة 50 عاماً من عام 1339 إلى أن توفي عام 1389 هـ.
15- الإشراف على نشر الدعوة الإسلامية بأفريقيا.
16- رئاسة مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية التي تصدر عنها مجلة الدعوة.
17- رئاسة هيئة كبار العلماء.
18- الإشراف على ترشيح الأئمة والمؤذنين.
19- تعيين الوعاظ والمرشدين.
20- توزيع الصدقات على الفقراء والمحتاجين.
21- رئاسة دار الحديث في المدينة المنورة.
وفاته
هذا وقد ظل الفقيد الجليل هكذا يفتي ويقضي ويعلم ويعين ويوجه ويعظ ويرشد ويدير منافحا عن العقيدة الإسلامية السلفية مناصرا دعاتها مؤيداً دعوة جده الأكبر إلى الدين القويم الإمام المصلح شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ويفصل في المنازعات على أعلى مستويات المتنازعين، ويدعو إلى الله حتى ألمّ به المرض فانتقل إلى رحمته تعالى بعد الظهر من يوم الأربعاء في اليوم الرابع والعشرين من شهر رمضان عام 1389هـ فصُلي عليه بعد صلاة العصر في جامع الرياض الكبير عن عمر يناهز الثمانين عاما، وكان المجمع حاشداً والزحام شديداً حيث خرجت الأمة كلها لتشييع الفقيد الغالي، وكان على رأس المشيعين جلالة الملك فيصل رحمهم الله جميعا، وفيهم الأمراء والعلماء والوزراء والأعيان والمواطنون.. وقد سارت جنازته في موكب مهيب يحف بها الجلال ويتدافع فيها المعزون بالمناكب يحملون جثمان الفقيد الطاهر من المسجد الجامع الكبير بالرياض حتى المقبرة، وقد رفضوا أن يحمل بسيارة إذ يرون أن حمله على أكتافهم هو آخر حق لشيخهم عليهم.. ووري في مقبرة الرياض الواقعة بالعود، وحضر إلى بيت الفقيد بعد الدفن صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز وأبدى حزنه الشديد وألمه البالغ عليه وظهر أثر ذلك على جلالته وترحم وأثنى عليه وذكر خسارة البلاد بوفاته وواسى أفراد أسرته والحاضرين من العلماء والمواطنين على عادته في تقدير المواقف ومعرفة أقدار الرجال. وحقا لقد كان لوفاة الفقيد الكبير رنة حزن عميق وأسى بالغ في نفوس المواطنين جميعاً، ولقد ودعه محبوه المفجوعون فيه خير وداع، إذ أخذ الناس يعزي بعضهم بعضا لاشتراكهم في المصيبة وأخذوا يرددون {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} يقولونها بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، فقد هزتهم وفاته وأصيب الناس جميعاً بالفزع والهلع لفقده.. ولقد رأيت هذا بعيني إذ فقدوا شخصية كبيرة غالية عليهم. ولقد ذكرني هذا الحزن المشترك والتأثر العام بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنتم شهداء الله في أرضه.. موعدكم يوم الجنائز).
وبعد وفاته ظل مكانه الكبير الذي كان يشغله بكل جدارة وكفاءة وأمانة وإخلاص واحتساب لله سبحانه وتعالى شاغراً، فقد أسندت مناصبه ومسؤولياته الجسيمة إلى عدد كثير من الوزارات والإدارات والمصالح الحكومية والمسؤولين. فاللهم أجزه عنا وعن عارفي فضله ومقدري علمه وتلاميذه خير الجزاء، وتغمده اللهم بواسع مغفرتك وأسكنه فسيح جناتك.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved