Friday 17th June,200511950العددالجمعة 10 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

في وداع المفكر والمؤرخ محمد باشميلفي وداع المفكر والمؤرخ محمد باشميل
غياث عبد الباقي الشريقي (*)

شرت بعض الصحف السعودية الصادرة يوم 28-4-1426هـ نبأً حزيناً وخبراً مفجعاً وهو وفاة الكاتب والمفكر الإسلامي الأستاذ محمد أحمد باشميل في مدينة جدة، التي احتضنته عشرات السنين .. فإلى جنة الخلد إن شاء الله وإنا لله وإنا إليه راجعون .. وما كلماتي هذه المتواضعة، وما هذه السطور القليلة عن هذا العلامة العلم المشهور وهذا الرجل الكريم، إلاّ بعض الوفاء والقليل من الواجب نحو كاتب جريء، ومؤرخ سديد ومثقف مرموق، قدّم للمكتبة العربية مجموعة رائعة من الكتب المهمة، وكنت منذ فترة طويلة امتدت لشهور عديدة، أحدث نفسي عن هذا الراحل العزيز، وأتعجب لجفاء وتجاهل أهل القلم والحرف، والفقيد المرحوم - إن شاء الله تعالى - كان لسنوات طوال قعيداً مريضاً منعزلاً في داره بجدة، صابراً محتسباً، ينتظر الفرج من ملك الملوك خالق الكون، خالقنا العظيم ورب العالمين .. وكنت أحاول البحث عن أخباره ومؤلفاته لأكتب القليل عنه، وعن تلك الكتب المشهورة، وفوجئت بالناعي ينعيه وبالصحف تتحدث عن وفاته .. فرحمة الله الواسعة عليه، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم وأحسن الله الخاتمة.
لقد كتب محمد أحمد باشميل (سلسلة معارك الإسلام الفاصلة) وهي عشرة كتب بدأها في عام 1383هـ وانتهت في عام 1393هـ، وتتحدث هذه السلسلة عن غزوات الرسول الحبيب (محمد) المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، بدءاً من غزوة بدر الكبرى ثم غزوات أحد والأحزاب وبني قريظة وصلح الحديبية وخيبر ومؤتة وحنين وفتح مكة المكرمة وغزوة تبوك.
ثم كتب عن معارك الفتح الإسلامي خارج جزيرة العرب. ولقد كتب مقدمة كتابه المعنون (القادسية ومعارك العراق) الصارد عام 1403هـ الأستاذ الكبير المرحوم عبد العزيز الرفاعي.
وكان للأستاذ باشميل معاركه الأدبية ومتابعات تاريخية شهدتها صفحات جريدة المدينة المنورة وجريدة الندوة وجريدة البلاد وكذلك عكاظ، وامتدت إلى خارج المملكة العربية السعودية إلى صحف بيروت وصنعاء وعدن والقاهرة وغيرها .. وشمل نشاط باشميل الأدبي الشعر، فله قصائد شعرية، ولكنه لم يبادر لجمعها وإصدارها في ديوان خاص به، ونشرت الصحف المحلية تلك القصائد.
وكان باشميل - رحمه الله - علماً من أعلام جدة والمملكة العربية السعودية، وكانت له جولات وصولات في ساحة الفكر والتاريخ والعلم والثقافة. وكان - رحمه الله - نظيف اليد وعف القلم وعفيف اللسان .. وأسهم إسهاما كبيراً في توعية وتثقيف المجتمع. وكان الرجل الغيور على دينه وعقيدته الإسلامية السمحة، ووقف مدافعاً عن الإسلام وعن قلعة الإسلام بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، ووقف في وجه التيارات الهدامة والأفكار الدخلية، وكان ذلك عبر المقالات والصحف والكتابة والتأليف .. وكان ذلك عبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، وكذلك من خلال المنابر الأدبية والمنتديات، وكأنه وهو في مواقفه المشرفة هذه المخاطَب في قول الشاعر المشهور:


إذا سلَّ اليراع رأيت غضباً
تلألأ في معاركه الحساما
يقول الحق لا يخشى قراعاً
ولا يخشى العقوبة والملاما

ومن مؤلفاته المشهورة التي أحدثت ضجة كبرى في الساحة الثقافية والإعلامية العربية، كتاب (القومية في نظر الإسلام) وتمت ترجمته إلى الإنجليزية ثم الفرنسية، وذلك في عام 1379هـ، ثم كتابه (صراع مع الباطل)، وكتابه (لا يا فتاة الحجاز)، وفي عام 1381هـ أصدر مجموعة من الكتب المهمة ومنها (أكذوبة الاشتراكية)، وكتاب (العرب في بلاد الشام قبل الإسلام)، وكتاب (هل هذا من العروبة) .. ثم أصدر كتابه (لهيب الصراحة يحرق المغالطات)، وهو رد على الحملات الإعلامية الحاقدة ضد المملكة العربية السعودية. وفي عام 1384هـ نشر كتابه العلمي المسمى (الإسلام ونظرية داروين)، والقارىء لمؤلفات باشميل - رحمه الله - يشعر بغزارة العلم وبالجهد المبذول وسعة الاطلاع والسرد التاريخي المشوق والأسلوب الماتع والفكر المستنير والغيرة الشديدة على الإسلام ومقدساته، وأذكر هنا بعض ما قاله الشاعر سعد المشاري عن فوارس الحرف يوم الوداع:


أفارس الحرف قد غادرت ساحتنا
ولم يعد لليراع الفذ إعصار
فكم نهجت طريقاً رائداً ابداً
تود فيه عن الإسلام اكدار

وفي هذه المقالة العاجلة والموجزة أقول للقراء معذرة لعدم اكتمال الرصد الدقيق والمعلومات الكافية عن إنتاج المؤرخ والمفكر باشميل، والتحدث عن أفكاره وأطروحاته وآرائه وخواطره العديدة، فمني كان التقصير، ولعلَّ إخوانه من جهابذة الفكر وأصحاب القلم الصادق، ورجال الكلمة الطيبة يقدمون الأفضل وفاءً وتقديراً وتكريماً له .. ختاماً نردد مع الأهل والأصحاب والقراء: اللهم ارحم باشميل رحمة واسعة، وارحمه رحمة الأبرار، واجعله في جنان الخلد مع المصطفين والأخيار .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(*) جامعة الملك عبدالعزيز بجدة/ ص. ب 80200 - جدة 21589

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved