الوقوف على هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه - رضي الله عنهم - في دعوتهم إلى دين الله أمر مهم جداً وجد خطير عظيم لمسيس الحاجة اليه، وعظيم الرغبة إلى معرفته، ولا سيما عند توارد الأهواء والبدع، وتشتت المناهج والوسائل في الدعوة إلى الله عز وجل. وتقوم هاتيكم الدعوة النبوية المباركة، والنهجة المحمدية السوية في الدعوة إلى الإسلام على ركيزتين هامتين وقاعدتين عظيمتين هما: أولاً: الدعوة إلى توحيد الله دونما سواه، ونبذ كل عبادة وتدين لغيره فبذلك بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه قامت دعوته في مكة ثم في المدينة. وثانياً: قيام الدعوة إلى الله عبادة الله ودين الإسلام على العلم لا على الجهل، كما قال الله عز وجل في آخر سورة يوسف: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108)سورة يوسف، وعلى هذين الركنين العظيمين قامت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوة أصحابه وتابعيهم بإحسان بعده. - ولهذا رتب - صلى الله عليه وسلم - أولويات ومراحل الدعوة إلى الله كما جاء في الصحيحين لما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن فقرر حال المدعوين ومستواهم العلمي والديني وما يجب تناوله معهم من الأمور التي يُبدأ بها معهم، وهو ما يُسمى بأوليات الدعوة إلى الله: فقال - صلى الله عليه وسلم -: يا معاذ إنك تقدم قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: 1- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وفي رواية: أن يوحدوا الله فإن هم أجابوك لذلك: 2- فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أجابوك لذلك: 3- فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإن ليس بينها وبين الله حجاب. فقد أبان وأوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - مراحل الدعوة وطبيعة كل مرحلة فيما يتعلق بما يُدعى اليه، وما يؤمر المدعون به بدءاً بتوحيد الله وحده دونما شريك، وتثنية بإقامة الصلاة، وتثليثاً بإعطاء الزكاة وهي أركان الإسلام الثلاثة ومبانيه العظام الأولى وهذه المقاصد في الدعوة إلى الله يكون لوسائلها حكمها من ناحية الأهمية والآكدية والأولية كما قال الناظم رحمه الله: وسائل الأمور كالمقاصد واحكم بهذا الحكم للزوائد لكن ينبغي العلم أن وسائل الدعوة لا بد أن تكون مشروعة كما أن مقاصدها مشروعة ومن هذه الوسائل الكثيرة والمتنوعة حسب تطور الزمان واختلاف العصر والمكان: كاستخدام الورق والكتاب ومكبر الصوت والتسجيلات الصوتية والحواسب الآلية ووسائل الايضاح والعرض... الخ. ولكن يجب الحذر من أساليب محرمة ومبتدعة تقحم على الدعوة إلى الله بدعوى أنها من الأساليب والوسائل إلى الدعوة، فإن الغاية على كل حال لا تبرر الوسيلة، ولا يتأتى بلوغ الهدف السامي بأسلوب لا يليق وهذا الهدف مع العلم بأن الدعوة الحقة إلى الله لا تحتاج إلى أساليب غير مشروعة ديناً وفقهاً وعلماً. أما التنويع في وسيلة الخطاب الدعوي ومراعاة أحوال المدعوين ومستوياتهم وقناعاتهم العلمية والدينية والاجتماعية والزمانية والمكانية، فمقومات يتوقف عليها نجاح الدعوة، وتحقيق سامي أهدافها ومقاصدها. ولن يتأتى هذا ويتحقق الا بمراجعة العلماء الراسخين في الدين علماً وتفقهاً وورعاً في الحكم على هذه الأساليب والوسائل المنسوبة إلى الدعوة إلى الله وبيان مصداقيتها، والحكم عليها بحكم الفقه والشرع وعندئذ تأتي الدعوة ثمارها ويتحقق منها المقصود، وتسلم دائرة الدعوة إلى الله من الاختلاف والتفرق المذموم، أو الانحراف إلى غايات ومقاصد غير لائقة بالدعوة إلى الله دين الله.
(*)الرياض |