Friday 17th June,200511950العددالجمعة 10 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الاقتصادية"

السياسات العامة مفاتيح النجاح الاقتصاديالسياسات العامة مفاتيح النجاح الاقتصادي
د. محمد بن فهد القحطاني (*)

إن القارئ المتتبع لتاريخ التنمية الاقتصادية في الدول الصناعية العظمى لا بد أن يصل إلى قناعة ثابتة بأن تلك البلدان لم تصل إلى تلك المستويات المتقدمة من النمو والتقدم التقني والمساهمة الفاعلة في الاقتصاد العالمي دون اتباع سياسات عامة قادت لتلك النتائج المذهلة. بل إن النتيجة الحتمية هي أن غياب السياسات العامة أو عدم كفاءتها يترتب عليها العديد من النتائج الاقتصادية السلبية المقرونة بالفشل في تطبيق تلك السياسات العامة, كما يتضح جلياً من واقع الدول النامية التي تقبع في كواليس التخلف الاقتصادي وتغرق في بحر من المشكلات الاقتصادية التي لا يمكن حصرها.
يأتي هذا النقاش في إطار حقل (التنمية الاقتصادية) الذي يعنى بدراسة أسباب اتساع الهوة الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية والذي يضع أسباب محددة للتخلف الاقتصادي, يأتي في مقدمتها ندرة رأس المال, تخلف رأس المال البشري, وانعدام أو عدم ملاءمة السياسات الاقتصادية المتبعة.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الدول تقدماً في حقول التنمية الاقتصادية, حيث تشكل مساهمة القطاع الصناعي ما نسبته 30% تقريباً من إجمالي الناتج القومي الأمريكي. يبقى السؤال الأجدر بالإجابة: هل كان ذلك التقدم محض صدفة أم نتاج سياسات اقتصادية ناجحة؟ حتى نتمكن من الإجابة على ذلك التساؤل المهم لا بد من العودة إلى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية, ففي حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون في العام 1801 ، حيث ألقى خطبته الشهيرة التي أشار فيها إلى (أن الوظيفة الرئيسة للحكومة هي المحافظة على أمن الناس ومنحهم الحرية المطلقة في تصريف أمورهم الاقتصادية دون تدخل). فهل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية تحقيق مستويات التنمية التي تتمتع بها الآن باتباع تلك السياسة؟ أي دون تدخل؟ الإجابة قطعاً بالنفي. يمكن التحقق من ذلك بمقارنة مستويات النمو والرفاه في الولايات المتحدة الأمريكية بنظرائها من الدول المتقدمة, فكانت مستويات النمو والرفاه الاقتصادي متواضعة في الاقتصاد الأمريكي مقارنة بدول أوربا الغربية في النصف الأول من القرن العشرين إلا أن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية شكلت انطلاقة وتفوق للولايات المتحدة الأمريكية على بقية دول العالم. لكن الأمر المهم هو أن ذلك التطور كان نتيجة لتطبيق العديد من السياسات العامة التي أفضت إلى إيجاد حوافز ذاتية كانت حاسمة في دفع عجلة التقدم الاقتصادي الأمريكي.
ففي أوائل الخمسينات من القرن المنصرم قام الساسة الأمريكيون باستحداث أجهزة حكومية وشبه حكومية مهمتها الرئيسة تحفيز البحث العلمي الذي أدى إلى زيادة تراكمات رأس المال البشري والذي هو السر الحقيقي في انطلاقة الاقتصاد الأمريكي. هذا بالإضافة إلى إيجاد مؤسسات اقتصادية تضطلع باتخاذ وتطبيق أدوات السياسة الاقتصادية المحفزة للأداء الاقتصادي والكفيلة بتحقيق التنمية المنشودة.
قد لا يكون من العدل مقارنة الوضع في الدول النامية بما هو عليه الحال في الدول الصناعية, بسبب افتقار الأولى للمقومات البسيطة للنجاح الاقتصادي.
ولكن حتى تتضح لنا الصورة بشكلٍ جلي, يجب أن ننظر إلى حال الدول النامية التي تتمتع بفوائض مالية ضخمة كدول الخليج الغنية بالنفط.
إن التخلف الاقتصادي والمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الدول الخليجية هو نتيجة طبيعية لانعدام أو فشل السياسات الاقتصادية المتبعة على الرغم من تمتعها بفوائض نفطية ضخمة على مدى الثلاثة العقود الماضية، وبالتالي فإنه من الممكن النظر إلى الوضع الاقتصادي المتردي للمنطقة بأنه (مفتعل) أي بمعنى أن الحلول الكفيلة بإزالة تلك المشكلات متوافرة, لكن تتلكأ الأجهزة الحكومية في تطبيق تلك الحلول أو في أحيان كثيرة تستبدلها بحلول أقل كفاءة لأسباب سوف تبدو واضحة من الأمثلة المذكورة أدناه.
تشير التقارير الاقتصادية الدولية إلى تدني معدلات النمو الاقتصادي في منطقة الخليج على الرغم من الثروات الهائلة التي جمعت خلال فترات الطفرات النفطية في السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن المنصرم.
أليست تلك نتيجة منطقية لغياب السياسات الاقتصادية الفاعلة أو فشل في السياسات المتبعة؟ فلقد أنفقت أغلب دول المنطقة تلك الأموال الطائلة على أصول ومشاريع غير إنتاجية أدت إلى استنزاف المال العام وفوّتت الفرصة على إقامة مشاريع تعليمية وصناعية كفيلة بأحداث (التنمية المستدامة) التي تعد طوق النجاة في حالة نضوب الموارد النفطية المتوقع قريباً. أصبحت دول المنطقة تعاني من الأمراض الاقتصادية المتفشية في الدول الأشد تخلفاً مثل البطالة والفقر, وتلك المشكلات ما هي إلا نتيجة لفشل في السياسات الاقتصادية التي تحتذيها دول الخليج.
فباتباع سياسة استقدام الأيدي العاملة الأجنبية (الرخيصة) تم إقصاء المواطنين من سوق العمل وترتب على ذلك تراجع الدخول الفردية للمواطنين, وبناء عليه أُوجدت مشكلة الفقر في أغنى بقاع العالم والتي توظّف كماً ضخماً من الأيدي العاملة الأجنبية. أليست تلك أيضاً نتيجة متوقعة تُحسب لغياب أو فشل السياسات العامة.

(*) أستاذ الاقتصاد المساعد - معهد الدراسات الدبلوماسية
mqahtani@ids.gov.sa

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved