يظل الشعر لسان العرب وهو في نفس الوقت (ديوان العرب) الذي ينقل أخبارهم ويوثق أفعالهم ويصادق على صحة أقوالهم ويرسم معالم شخصياتهم وجغرافية أرضهم وتضاريس بيئتهم.. وقد ظل الشعر بأصله ومنبعه الشعر العربي الفصيح الذي ينطق لسانه بأروع قصائدهم وأبلغ حكمهم وأصدق مشاعرهم في جميع حالاتهم.. ومن المعروف أن منبع الشعر هو الجزيرة العربية حيث بلغ ذورة مجده وأوج عظمته في ملتقاه التاريخي (سوق عكاظ) وهو الملتقى السنوي الذي يلتقي فيه فرسان الشعر ويتناولون شتى مجالاته وأصبح هو الميدان لفطاحلة وفرسان الشعر لإثبات قدراتهم ومواهبهم ونثر إبداعاتهم.. وقد توجت أجمل القصائد بأن علقت على جدار الكعبة وسميت بالمعلقات السبع ولا زال لهذه المعلقات مكانتها في الأدب العربي ولا زال أصحابها نجوم في سماء الشعر لأن البقاء للأفضل ولعل أهم ما يميزهم عن غيرهم أنهم انتقوا أجزل وأصدق وأعذب العبارات وصوروا أجمل الصور الشعرية، بل أن أحدهم سمي شاعر الحوليات لأن قصيدته تستغرق حولاً كاملاً وهو يمحصها عن كل شائبة وينتقي ما يتناسب مع ذوق من يتلذذ بالاستماع إلى أعذب المعاني ويخشى المستمع الناقد الذي لا يرضى إلا بما يستحق السماع. حقيقة موجعة
ما جعلني أكتب هذا المقال هو الحال المزرية التي يمر بها حال الشعر في وقتنا الحاضر.. ولعلني أخص الشعر الشعبي لأنه امتداد للفصيح ولا شك أن الشعر الشعبي أيضاً ظهر هو الآخر بالجزيرة العربية وربما أجزاء من الخليج وبلغ هو الآخر ذروته في فترة تاريخية قريبة وكان هو الآخر له نجوم حفروا أسماءهم بأحرف من ذهب في ذاكرة التاريخ ولا تزال قصائدهم في أمهات الكتب وصدور الرجال ولكن الحقيقة الموجعة أن شعراء هذا الجيل وعلى الرغم من الدعم الإعلامي وتوفر الوسائل التي ساهمت في سرعة نقل المعلومة وسهولة الاتصال والبحث إلا أنها أفرزت سلبيات أساءت للشعر وأهمها أنه أصبح وسيلة للكسب والثراء.. وأصبح لمن يملك المال أقرب طريق للشهرة والظهور.. ولعل الانتشار غير العادي للمجلات الشعبية التي تمزج الغث بالسمين بلغت ما يقارب (المائة مجلة) بالإضافة إلى الصفحات الشعبية في الصحف اليومية. ونتيجة لهذا التنافس المحموم ظهرت الشللية وظهر أدعياء وأشباه شعراء وقد كان للوهج الإعلامي نجوم أطلق عليهم نجوم الشعر الشعبي وتسيدوا الساحة ولا شك أن القليل منهم يستحق الإشادة والتقدير ولكن الأكثرية منهم ما لبث أن أفل نجمه واحرقته أضواء الشهرة. صورة نادرة
تأمل هذه الصورة الرائعة لشاعر عربي قديم:
بكت عيني غداة البين دمع وأخرى بالبكاء بخلت علينا فعاقبت التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا |
رشيد محمد الفريدي |