Wednesday 15th June,200511948العددالاربعاء 8 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

الجفاف العاطفي بين الآباء والأبناءالجفاف العاطفي بين الآباء والأبناء
هدى عبد الرحمن المشحن/ عنيزة

عندما تحمل المزن الماء وتسكبه على الأرض مدراراً تخضر، وتحيا، وكذلك هو حال الأسر عندما يلفها الحب ويكتنفها الحنان فهي تهنأ وتسعد، وإذا كان الآباء الذكور هم عماد تلك الأسر ورعاتها فهم أيضاً مصدر سعادة تلك الأسر أو شقائها. ويخطئ كثير من الآباء عندما يعتقدون أن تقربهم إلى أبنائهم ضعفاً، ورقتهم معهم خوراً، والخوض معهم في أمورهم الشخصية الخاصة يقلل من شخصيتهم وهيبتهم أمام أبنائهم.
ولنا في رسول الله قدوة حسنة فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يغدق حبه وحنانه لأبنائه فقط ولكنه تعداه لأحفاده فها هما الحسن والحسين ابنا ابنته فاطمة يلاعبهما وهو يصلي، فيزدادا حبا وعطفاً، وهو رسول ربه الذي حمل على أكتافه همَّ أمة، ورسالة عظيمة للناس كافة.
وأما ما نراه داخل كثير من البيوت من صور لآباء رسموا لكمال الشخصية إطاراً من القسوة، وألواناً من الجفاء، ورموزاً من الصمت، كما رأوا في الزمجرة والأمر والنهي بالصوت العالي رأوا فيه أسلوباً للتربية وطريقاً للاحترام والتقدير.. فإن كل هذا دعا إلى بناء جسر إلى وادٍ من الجفاف العاطفي من الأبناء تجاه آبائهم، وأصبح الأب القاسي مصدر القلق في المنزل، وامتلأت النفوس وجلاً، وهماً منه، وخاصة الصغيرة، فلم يعهدوا منه جلسة للنظر في عيونهم، وملئها بالسرور والحبور، غير جلسة الأكل الصامتة!
ولم يعهدوا منه الدخول معهم لغرفهم الخاصة والجلوس فيها لبحث أمورهم غير الدخول للبحث والتحري وإن خلت من أصحابها. ولم يعهدوا منه تقليب كتبهم، وتصفح دفاترهم أو التعليق على إجاباتهم أو حتى خطوطهم، غير إلحاح المتربص لورقة الدرجات واستمارات التقويم، واعتاد الأبناء الموافقة على كل قراراته، وإن تعارضت مع رغباتهم أو جانبها الصواب.
ووضع هؤلاء الآباء لسلوكهم مع أبنائهم طقوساً لا خروج عليها، وحددوا دهاليز لا حياد عنها؛ فملأ هذا الأب صدر ابنه - بعلم أو دون أن يعلم - بالخوف منه لا احترامه، وبكراهيته لا محبته، وأصبح هذا الأب مصدراً للشكوى من الأبناء بل ربطوا مستقبلهم المشرق بزواله!
وإن صدر هذا السلوك من بعض الآباء الذين أنعم الله عليهم بالاستقامة فالأمر أشد وأعظم مع أب قاس وعاص وما أكثر من تسرب القلق إلى قلبه من هذا الأب بل تعداه إلى حالات من الاكتئاب، والمرض النفسي، وضعف الشخصية والهروب من العلاقات الاجتماعية.
إن إدراج الإرشاد الطلابي في المدارس يشهد بذلك، وما تدني المستوى الدراسي أو العنف في المدارس، والانحراف في السلوك إلا ويضاف إلى أسبابه أب قاسٍ. ودور الملاحظة لا تقل شكوى عن غيرها من المؤسسات التي تجري دراساتها وبحوثها لتصل إلى الدور الرئيسي للآباء القساة في وصول أبنائهم إلى هذه الأماكن بل وقد تصل إلى السجون، ومستشفيات معالجة الإدمان.
ولهؤلاء الآباء القساة شعارات في التربية والتبرير يرددونها منها: نحن لم نقصر معهم (في الأكل والشرب والسكن) ويتباهون: الدنيا تربيهم (فهم فقدوا التربية بالحب)؛ فلا نستغرب عندما نرى جيلاً انقطعت معه أواصر الصلة والبر لآبائهم، جيلاً عبث بحق والديه بالتندر عليهم والتذمر والتأفف منهم، ولا نعجب أن تكون التربية القاسية مآل أب يسكن إحدى دور الرعاية لعقوق الأبناء له وإن كان ذنباً عظيماً .
على الآباء مراجعة حساباتهم والإكثار من الدعاء للأبناء ليقطفوا الثمرة بالبر والرعاية عند الحاجة ساعة الكبر والعجز؛ اللهم اشدد بهم عضدي، وأقم أودي، وكثر بهم عددي، وزين بهم محضري، اللهم أحي بهم ذكري، وأعني بهم على حاجتي، واجعلهم عوناً لي.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved