بنيَّتي .. الكلمات تتدافع، والمشاعر تتدفَّق، ولا أدري كيف أبدأ رسالتي هذه، لأنّني لم استطع وصف إحساسي عندما تلقَّيت بشرى قدومك إلى هذه الدنيا .. هل هو إحساس بمسئولية الأُبوَّة والاستعداد لتحمُّلها، أم أنّه كان فرحاً غامراً لأنّك هبة من الله، أم أنّه إحساس بالذنب والتقصير، لأنّي لم أكن من بين المستقبلين لأول قدوم لك إلى هذه الدنيا، مع إشراقة أول نور في عينيك. ابتسمتْ لي الدنيا حيث بكيتِ رافضة الظلام، مصرَّة على إضاءة ما حولك، وغمر من حولك بكلِّ معاني الفرح والسرور، طاردة بذلك كلَّ أسباب الكآبة والثبور. إنّي أعرفك منذ زمن بعيد، فأنتِ مني وأنت من وعدني بالسعادة، وصبّرني في أيام صعبة جداً، قلت لي اصبر حتى أصل، فأزيح همّك فإنّ الله كفل لك الجنة بشرط رعايتي وإحسان تربيتي .. أنا (لؤلؤة) من قاع بحر لُجِّي كنت أسبح بأمر ربي في ظلمات ثلاث، بعضها فوق بعض، وإذا كان الغواص يستخرج أشباهي من قيعان المحيطات مجازفاً بحياته، فأنا أتيتك لأضفي أجمل معاني السعادة في حياتك. أبتي .. أنا أحرص منك عليك، لأنّ قيمتي تزداد بحضورك أنت دون غيرك فلو حضر الناس جميعا لم يزد ذلك في ثمني شيئاً، ولكن بك أزداد ثقة واعتزازاً ... فأنت أبي لكنك أب غائب لم أرك في حياتي قط ... هل تعمَّدت الغياب، أم أنّه قدر كُتب علينا ألاّ نجتمع عند مقدمي، .. وهل سيطول الغياب ؟ هل هو أيام أم أشهر أم سنوات ؟ .. هل أنت في الرياض حيث أنا ولم تحضر أم أنك بعيد عنا ؟ يا بنيّتي أقسم لك أنّي لم أتعمّد هذا الغياب .. وأعدك بأنّه لن يطول .. أمّا مكاني ففي بلد حَكم العالمَ في ماضيه بالظُّلم والاستبداد .. بلد حارب الإسلام واعتبَره عدَّوه الأول .. لم آت يا بنيّتي حبّاً لهم ولا ولاءً لمعتقدهم، ولكن أتيت لأتعلَّم منهم علوماً أصبحنا نفتقدها اليوم، بعدما كنا منارة للعلم نضيء العالم كله. أنا هنا يا حبيبتي لكي أبدأ من حيث انتهوا، وأساهم في بناء مجد لأُمّتي وحضارة تفوق ما يتغنون فيه. فإنّ أول حضارتنا هي الدين والمحافظة على تعاليمه، والاعتزاز بقيمنا والتمسُّك بهويَّتنا، وسترك يا بنيتي أول أولوياتنا، فإنّك من الضروريات الخمس التي أمر الله بحفظها .. فأنت النسل، وأنت من تحافظين عليه وتكفلين استمراره يا عزيزتي .. أنت العِرض وأنت الشرف الذي يميِّزنا عن غيرنا من شعوب العالم .. فأنت ما نفاخر فيه. كلِّي أسف لابتعادي عنك .. ولكني بعون الله قادم ولن أغيب عنك طويلاً، فإنّي أعرفك أكثر مما تعرفينني، وأحبك أكثر مما تحبينني، فاعذريني لغيابي فإنّه بِر منك لوالدك.
|