ثمة دروس ترتبط بالتمديد لمحمد البرادعي في رئاسة الوكالة الدولية للطاقة النووية بعد معارضة أمريكية قوية لهذا التمديد، فالرجل لم يشأ أن يجاري الولايات المتحدة في عدة موضوعات حيوية منها ما يتعلق بإيران والبعض الآخر بالعراق، ومع ذلك فقد رأت واشنطن أنها في هذه المسألة بالذات لا يمكن أن تتصدى لرغبة 35 دولة هي الدول الأعضاء في مجلس محافظي الوكالة، ومنهم دول حليفة ووثيقة الصلة بواشنطن.. وجاءت ملابسات عودة البرادعي للمنصب وسط التطورات العراقية بما فيها من دور مركزي للولايات المتحدة، فيما تكشف للجميع بطلان الحجة التي جرى خوض هذه الحرب على أساسها.. وكان البرادعي من بين الشخصيات الرئيسية الدولية التي رفضت الخضوع لمنطق خوض هذه الحرب، وهو ما دفع واشنطن إلى تصنيفه في دائرة المناوئين لها، ومن ثم أبدت العزم على الحؤول دون التمديد له على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ بسبب ما أبداه من شكوك، تبين فيما بعد أنها مبررة، حول وجود أسلحة دمار شامل في العراق في ظل صدام حسين، كما أن الأمريكيين يرون أنه لم يتخذ موقفا حازما في الملف النووي الإيراني. ومن ثم فقد بات يتعين الآن رؤية المسار الذي سيتخذه البرادعي بعد تأييد أمريكا لبقائه في المنصب، فهل يتمسك الرجل بمواقفه أم أن هذه التغييرات في واشنطن التي سمحت باحتفاظه بمنصبه جاءت، كما يتردد من تكهنات، نتيجة لتوافقات في الآراء بين واشنطن والبرادعي.. ولأن الملف العراقي لا يزال ساخنا، كما أن الشأن الإيراني النووي هو أيضا على القدر ذاته من السخونة، فإن الوقائع التي ستحدث والمواقف التي سيتخذها البرادعي ستكشف عما إذا كانت هناك ترتيبات معينة بين المسؤول الدولي وواشنطن، أم أن البرادعي ما زال يتمسك بمواقفه وأن عودته للمنصب تعبير عن خضوع واشنطن لرأي عام دولي مساند للرجل.. إن السياسات على الساحة الدولية والتي تميزت - خصوصا - بنهج الانفراد الأمريكي بالقرار الدولي قد ألقت بتأثيراتها حتما على مسألة البرادعي هذه، إذ إن هناك إحساساً متعاظماً بأنه من غير المقبول السماح باستمرار هذا النهج وارتهان الشأن الدولي كاملاً لما يقال ويخطط له في البيت الأبيض فقط..
|