Wednesday 15th June,200511948العددالاربعاء 8 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

يارايارا
الطريق إلى الليبرالية (3)
عبدالله بن بخيت

بعد مقاله الشهير الذي دان فيه الحداثة والبنيوية والتفكيكية واتهم صناعها الأجانب بالصهيونية والوجودية والماسونية واللوترية. ظن الجميع أن الرجل قال كلمته وأبرأ ذمته وسوف يعود إلى ما كان عليه. فهو في الأصل كما عرفنا لاحقاً كاتب خواطر وتعليقات في صفحات المجتمع يكتب بعض المواعظ الصغيرة ويلحقها ببعض النصائح في الشأن العام. لا أحد يعلم ما الذي جاء به إلى النادي الأدبي وكيف تعلم هذا الكم الهائل من الأسماء الأجنبية. أحصينا في مقالة المذكور تسعة أسماء. علماً بأن عتاة الحداثة لا يذكرون في المقال الواحد أكثر من أربعة أو خمسة أسماء. من الواضح أن الرجل تحول إلى موسوعة متخصصة في أسماء المشاهير الأجانب في النقد الحديث. لا أحد يعلم طبعاً هل كان يعرف أكثر مما قال في المقال الشهير. أم أن ذلك المقال هو أقصى حدود معرفته؟. سؤال لم يكن في حاجة إلى إجابة فقد كان ذلك المقال مجرد توطئة لسلسلة ضخمة من المقالات التي تبين للناس بما لا مجال فيه للشك أن الغرب يكيدون لنا وأن هؤلاء الأجانب الغربيين قد استولوا على عقول أبنائنا وأزاغوها عن جادة الصواب. لم يكن يولي تلك الأسماء أي اهتمام نقدي أو تحليلي فهو ينظر إليها كحالة يجب التخلص منها. أسلوب لا تعرف منه هل كان الرجل يعي ما يقول أم لا. صار يكتب شهرياً. وتزداد وتيرته مع ازدياد وتيرة الحداثيين. من أين تعلم كل هذه الأسماء الحداثية؟ ظل هذا السؤال يؤرقني إلى أن جاء ذلك اليوم الذي وقعت فيه على كتاب بعنوان (BLUFF YOUR WAY IN PHILOSOPHY) يمكن أن أترجم العنوان بقولي (خادع الناس في الفلسفة) فالكتاب يعلمك كيف تكون فيلسوفاً. كيف تتحدث بين الناس في الفلسفة وتناقش قضاياها وتذكر أهم الأسماء المعروفة فيها دون أن تعرف أي شيء عن الفلسفة. بدأت أتابع مقالات الرجل بوعي آخر. تذكرت أن هناك تشابهاً بين التقنيات التي ينصح بها الكتاب وبين التقنيات التي يستعملها الرجل في كتاباته. يقول الكتاب (أهم شيء أن تعرفه وتقدره في وضعك كفيلسوف هو أن تميز بين (ontology وهي كيفية دراسة الموجود) وبين (epistemology وهي دراسة كيف وصلنا إلى معرفة الموجود) هاتان الكلمتان يمكن أن تستخدما بطرق متعددة ولكن عليك كمخادع أن تلتزم ببعض القوانين حتى لا ينكشف أمرك. أولاً الابستملوجي غالباً مقترنة بأسماء الفلاسفة. فتقول أفلاطون ابستملوجي، (كنت ابستملوجي). أما مصطلح أنتلوجي فقلما يقترن بالأسماء لذا حذار من استخدامها هكذا إلا في حالة واحدة إذا كنت تعرف أن محدثك أجهل منك. تذكر أن أهم الأسئلة الكونية التي تدور حولها الأسئلة في الفلسفة هي نفس الأسئلة التي يسألها الأطفال مع فرق المصطلحات.
ما الذي هناك ontology
كيف أعرف epistemology
ولماذا أفعل هذا؟ ethics
ثم يسرد لك مجموعة من المصطلحات الأخرى وأسماء أهم الفلاسفة الذين تدور أسماؤهم في كتب الفلسفة. احفظْ وركبْ. وأثناء الحوار اجعلْ طابعك هجومياً وأكثر من النحنحة، وإذا سألك أحدهم سؤالاً لا تعرف جوابه أو شكك أحد في معرفتك عليك أن تبادر إلى النحنحة وأن تتلهى في إشعال الغليون وأن تخرج المنديل من جيبك إذا لزم الأمر. إلى آخر التقنيات.
أَمدتْ فترة الحداثة كلَّ مَنْ له رغبة في الكتابة بكم وافر من هذه المعرفة: أسماء شواهد ومصطلحات، وتراكيب لغوية جاهزة للاستخدام الفوري. منهم من استفاد منها للانخراط في موجة الحداثة، ومنهم من استفاد منها في لعن أبوالحداثة. أصبح صاحبنا من أشهر كتاب الاتجاه المعاكس. ولكن مع انحسار موجة الحداثة بدأ نجمه يفل. لم يعد أحد يتحدث عن رونالد بارت وداردا فقد دخل خصومه القدماء في قضايا جديدة. فظننت أن الرجل قد انتهى، فكل مصطلحاته وأدواته التي طورها لإدارة الصراع مع الحداثيين أصبحت بلا نفع. فوجئت قبل عدة أسابيع أن الرجل دبج مقالين عن الليبرالية بنفس الطريقة، وبنفس التراكيب اللغوية، وبنفس النفس والحماس، وبنفس التقنيات التي كان يدير بها الصراع في أزمنة الحداثة.
الفارق الوحيد أنه لم يكتب هذه المرة محتمياً بثوب الحزب الذي كان يملك الحقيقة المطلقة. دخل عارياً لينكشف.

فاكس: 4702164

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved